في خطوة غير متوقعة تزامنت مع العيد الفدرالي الذي يحتفل بالذكرى السنوية للمناضل مارتن لوثر كينغ، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تغيير قواعد مجلس الشيوخ من أجل تمرير تشريع بشأن حقوق الأقليات في التصويت، وذلك من خلال وضع إطار تشريعي فدرالي وسنّ قانوني "النهوض بحقوق التصويت لجون لويس" و"حرية التصويت"، اللذين يعود تاريخهما إلى ستينيات القرن الماضي، معتبرًا أنّ ذلك سيُتيح حماية منجزات النضال من أجل الحقوق المدنية و مكافحة التمييز العنصري.

هذه الدعوة المثيرة للجدل جاءت خلال خطابه الذي ألقاه في مبنى الكابيتول بأتلانتا في ولاية جورجيا أمام طلاب الجامعات، وفي أوج تراجع شعبيته حتى ضمن أنصار حزبه الديموقراطيّ، وفي ظلّ الانتقادات الحادة التي ألقت الضوء على كافّة الاخفاقات و النتيجة المخيّبة للآمال بعد عام من استلامه رئاسة البلاد.

وسواء كانت دوافع هذا الخطاب "إيجابية" من أجل إرساء مزيد من الحقوق أم من أجل مآرب سياسية أخرى استغل فيها بايدن المناسبة، فإنه لا بد من تسليط الضوء على نقطتين مهمتين:

أولاً: لقد اختار بايدن أتلانتا بولاية جورجيا تحديدًا لإعلان ذلك، بما تحمله من رمزية عالية فهي تُعدّ "أرضَ النضال ومهد الحقوق المدنية"، كما كان قد استهل زيارته بلقاء أولاد مارتن لوثر كينغ وزيارة قبر والدهم، كما توّجه بصحبة نائبته كامالا هاريس إلى الكنيسة المعمدانية التي كان مارتن لوثر كينغ مسؤولاً عنها قبل اغتياله عام 1968.

هذا السيناريو أجج حدّة خطاب منتقدي بايدن الذي اعتبروا ذلك "متاجرة" وبروباغندا هدفها استمالة أصوات الأميركيين "السود" في الانتخابات النصفية القادمة، بعد فشل بايدن الذريع في تحقيق الكثير من وعوده وتراجع واضح في شعبيته، لا سيما وانه استفاد قبل انتخابه من دعم حاسم من شخصيات سوداء أمريكية بارزة، بالرغم من ان بعض الناشطين المُدافعين عن الحقوق المدنية قد حذروا حينها من ان تكون وعودًا فارغة.

ثانيًا: تنصّ القواعد المعمول بها حاليًّا في مجلس الشيوخ على ضرورة أن يجمع مجلس الشيوخ 60 صوتا للسماح بالتصويت على النصوص والتشريعات، باستثناء القوانين المتعلقة بالميزانية، وهو الحد الذي لا يمكن أن يفي به الديمقراطيون؛ لأنهم يتمتعون بأغلبية 50 عضوًا مع كامالا هاريس نائبة الرئيس التي تتمتع بالصوت الفاصل.

و"الاصلاح " الذي طرحه بايدن يتعلق بتشريع حول الشروط التي يجب التمتع بها من أجل ممارسة حق المواطنين في التصويت، بدءًا من التسجيل في القوائم الانتخابية إلى فرز الأصوات، مرورًا بالتصويت عبر البريد أو التحقق من هوية الناخبين. حيث تعهّدت بعض الولايات ذو الغالبية الجمهوريّة في الجنوب بتعديل تلك الشروط، مما يعقّد العملية ويمنع عملّيًا وصول الأمريكيين من أصل أفريقي والأقليات بشكل عام إلى صناديق الاقتراع.

وبما أن تشريعًا كهذا ينبغي ان يمرّ في مجلس الشيوخ فإن موافقة الأغلبية الديموقراطية لا تكفي لتمريره اذ يتطلب الامر موافقة 60 عضوًا من مجلس الشيوخ وهو ما يرى فيه الديموقراطيون "إجحافًا وعرقلة".

لذلك عمد بايدن في خطابه الى الاعلان عن ضرورة تغيير قواعد مجلس الشيوخ "لمنع أقلية من أعضاء المجلس من عرقلة" إقرار إصلاح واسع يحمي حق الأقليات في التصويت، حيث قال: "أقول بوضوح إنه من أجل حماية الديمقراطية، أنا أؤيد إجراء تغيير في قواعد مجلس الشيوخ، أيا يكن، لمنع أقلية من أعضاء مجلس الشيوخ من الحؤول دون المضي قدما للوصول إلى حق التصويت".

ويرى منتقدو بايدن أن ذلك سيقوّض الأسس الديموقراطية التي قامت عليها البلاد، مشيرين الى ان الديموقراطيون "يستغلون الأقليات" بإثارة الهواجس ويتلطوّن تحت ستار "حق التصويت" من أجل العبث في القواعد المعمول بها في مجلس الشيوخ.

أخيرًا، بدون شكّ فإنّ المجتمع الأميركي يمرّ بمرحلة انقسامٍ حادّة لم يشهدها من قبل، وربّما من الحكمة الآن وأكثر من أيّ وقت مضى، العمل على لمّ شمل الأمة ومواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه المواطنين لجهة تحسين عيشهم، ومعالجة التداعيات الإقتصادية والأزمات الاجتماعية وتحسين الرعاية الصحية ورفع مستوى التعليم، وهو ما من شأنه فعلا ان يؤثر في اختيارات الناخبين في انتخابات التجديد النصفي في الخريف القادم، لا الرهانات السياسية عبر طرح صِيَغٍ غامضة "كتصويت الأقليات" والعمل على كسر تقاليد مجلس الشيوخ الذي ليس من شأنه ان يثير غضب المحافظين وحسب بل أثار جدلا وصدمة لدى شريحة عريضة من الديموقراطيين.