قرأت مؤخرا خبرا صحيا مرعبا وحزينا، يضاف إلى همومنا وأحزاننا المريضة المثقلة بجراحات ونكسات العراق. ملخص الخبر "قال فلاديمير بوليبوك الطبيب المختص في مجال المناعة، إن حامل متحور "أو ميكرون يمكنه نقل العدوى لحوالي مائة شخص عند العطس مرة واحدة". ولو عاش الرفيق ”فلاديمير“ بين سياسينا اليوم، وهم يهندسون السياسة والسلطة وتوزيع المغانم بطريقة ”خلطة العطار“. لقال إن عطسة السياسي العراقي الواحدة تنقل العدوى إلى مليون عراقي.

مثلما تذكرني عطسة السياسي العراقي، بعطسة ”ونستون تشرشل“ التي غيرت الحدود الأردنية السعودية، عندما كان يرسم الحدود بين البلدين بقلمه عام1921 حيث عطس فاهتزت يده مما نتج عن تلك الحدود المتعرجة بين البلدين، فسميت ”عطسة تشرشل“. لكن عطسة سياسينا غيرت حدود السيادة والقيم والجمال ودمرت الأوطان، فأصبح الوطن مليئا بمتعرجات ”تشرشل“ عرضيّا وطوليّا. أنها ”عطسة الديمقراطية“.

ولو قارنا بلاغة الماضي وحكمتهم بأن ”الحياة أتفه من عفطة عنز“، وبين حكمة عفطيّة السياسة بالتثبت بالسلطة ”ما ننطيها“، والركض الماراثوني إلى مغانم المليارات، لوجدنا فرقا بين الحكمتين؛ في الماضي هناك بلاغة المعنى والاستقراء، وفي الحاضر هناك فقر العقل وقصر النظر، لكن هناك تشابها بين عفطة العنزة والحمار وعفطة السياسيين .... كلهم ”يعفّطون“ كالحمقى!

ما بين العفطة والعطسة مشتركات بعضها ظاهر للعيان، والآخر مخفي في الصندوق الأسود لا يستخدم إلا بعد اشتداد الأزمة، وانكشاف الغسق عن الشفق، وبين ”الأغلبية“ الافتراضية و”التوافقية“ المصلحية. هناك صياد ماهر يتلاعب بالسياسة بمنطق أرقام الرياضيات، وبوصلة الفلك. الكل غارقون بغيبوبة حب السلطة والنفوذ، وهوس متعة الآفيون السياسي. لكنهم قريبا يستفيقون على مطرقة الصياد ”انتهت اللعبة“.

جعجعة السياسيين والإعلام لن تفضي إلى ما هو ظاهر للعين، ولا تصدقوا المنجمون من أهل السياسة، وهم كثر اليوم، مثل القارضة التي تنخر بالجدار. لا تصدقوا القادة لأنهم يحلمّون وأغطيتهم مكشوفة أثناء النوم كما يقال في الأمثال. هناك لعبة خطيرة يراد منها خلع ملابس الآخرين، وأشغال الشعب بقوة الضجيج السياسي المقرون بالكلام والتفجيرات والتهديد بالقتل.

يخطأ من يقول إن ما يحدث هو صرخة جديدة لا تشبه الصرخات القديمة، أو هو فرج جديد يوقف نزيف الدم والدمار، لأن الفرع واحد، وان تفرعت منها فروع ميتة أو مخضرة بالجينات الغريبة. من قال إن الشرق والغرب في حالة توتر دائم، فما يخفى في السر يشيب الرأس. وما خفي أعظم! ستكون هناك مصالحة بين الشرق والغرب في العراق، بلد ”عدم الانحياز“. ليس هناك منتصر ولا خاسر في السياسة. لكن هناك بالتأكيد خسارة فادحة للشعب، ومتوالية للحزن والدمار.

عاد الحلبوسي مرة أخرى للبرلمان عودة توافقية، وننتظر الرئيس الكردي القادم التوافقي الذي سيكون زيباريا في حالة بقاء التوافق على حاله، وعودة أخرى للكاظمي لمجلس الوزراء. وهو السيناريو الأول في حالة يكون المشهد الحاضر صحيحا بالنيات والأفعال. لكن السيناريو الثاني لو تحقق بعودة الأحزاب المنطوية في الإطار التنسيقي فأن المعادلة السياسية ستتغير. ولن يوقفها إلا الصياد الماهر في لعبة شطرنج السياسة.

جعجعة التسميات والألفاظ والبلاغات السياسية المريضة لن تنتهي، والأخوة الأعداء في ساحة الوغى يتقاتلون بسيوف من خشب، يمتطون أحصنة الأمراء، ويتنابزون بالألقاب. سيعيدون من حرب المغانم بأسلحتهم الحقيقية لقتل الرعايا وأبناء الفقراء. لن يكون هناك برامج سياسية، بل عودة لبرامج النهب، وتأثيث البيوت الطائفية بالذهب والياقوت. سنرى ”دولة“ و”فخامة“ و”معالي“ و”سعادة“ كالطواويس يأتون لنا بالكلام المعسول، والأمنيات الخيالية. لا شئ جديد يرمم البيت العراقي إلا بأنزال أعلام الأحزاب القديمة، وإلغاء الميليشيات وتوابعها من ”الأغلبية“ و”التوافقية“ وحصر السلاح بيد الدولة فقط. لن يكون العراق مزدهرا إلا عندما نرى العلم العراقي يرفرف لوحده في الكون، ونرى جيشا مهابا يحمي خيمة الشعب، وعدالة تتأسس بالقانون والمواطنة. الزبد يذهب ويبقى ما ينفع الناس.

عذرا، لن يكون هناك ”أصلاح“ في ظل تدوير الوجوه الفاشلة، وتدوير الأحزاب الدينية التقليدية المريضة بحب المال والسلطة والجاه. لن تكون السمكة صالحة للأكل إذا كان رأسها معفن بالغيبيات وبكتريا التخلف وسموم الحقد. لن يكون هناك ”اغلبيه“ أو ”توافقية“ في ظل نكد سياسي مزمن، وقتال سياسي صبياني. هناك شعب غارق بالفقر والجوع والأحزان لا يهمه التسميات والألقاب ولن يكترث بالصراعات، فقد أخذ من الدروس ما يكفي أيها السياسي الغبي!

اعرف إن السياسي العراقي قد ذهب عنه الحياء، فلا يهتم إذا سخروا منه، ولايهتم لو ”عفطوا“ على كلامه وممارساته. فقد أصبح ”الزيج“ بلغة أهل العراق ”العفطة“ من أدبيات السياسة العراقية تنتشر في التواصل الاجتماعي؛ فالعطفة للديمقراطية العراقية، والعفطة لتطبيق الدستور، والعفطة للسيادة العراقية، والعفطة للأصلاح والتوافقية، والعفطة لمن حكمنا بالجوع والقهر والاستبداد. والعفطة لكل سياسي يقول لنا: إن غدا سيكون أفضل وأجمل، لأن ما يجري اليوم في لعبة السياسة العراقية لا تساوي عفطة عنز أجرب!

مع الأسف، لن يبقى في هذا البلد ما نفتخر به أمام العالم إلا عطسة صبيان السياسة تنثر جراثيم الموت والانتحار بوباء العمالة، وعفطة لشعب يقاوم بها من قتله وهو حي يرزق!