مُنذ القرن السادس عَشر عندما زاوج ميكيافيلي بين المَصلحة والسياسَة، أصبحَت المَصالح في السياسة بابآ مهمآ من أبواب العلاقات بين الدُوَل بمفهومها المطور المعاصر، لذلك فالبحث عن المصالح أو الدفاع عن مصالح متحققة أصبحت من المُسلمات في العَمل السياسي المُعاصر، وهذا ليسَ عيبآ أو سُبة وَليست عارآ ولا خيانة، بل هي من الضروريات وتُمارس على مُستوى الدوَل والحكومات وحتى الأفراد، ولا يُمكن بأي حال من الأحوال أن يَخضع العمل السياسي للنُبل المُطلق والمُثل والقيم العُليا في كثير من مَفاصله وَيُهمل باب المَصلحة أو المَصالح بما يعنيه من تحقيق للمكاسب ودرءآ للمخاطر، وَليَس منطقيآ في عالم اليَوم الذي يغلب عليه التنافس في كل شيئ أن يُقولَب العَمل السياسي بقَوالب جامدة تُسمى ثوابت أو بَديهيات بحيث لا يُمكن تَغييرها أو المَس بها وكإنها نُصوص مُقدسة، وإن حَدث ذلك فهذا يَعني الإنتحار بعينه، فالعدو الذي كُنت تُقاتله بالأمس يُمكن أن تمد معه اليوم جسورآ من التعاون وأن تَجمع بينكما الكثير من المَصالح، والصَديق الذي كُنت تُقيم مَعه أفضل العلاقات يُمكن أن يُصبح العَدو المُستقبلي لجُملة من الأسباب منها الإضرار بالمَصالح، وما قامَت به الإمارات والبحرين ومن بَعدها المَغرب والسودان من تَطبيع للعلاقات بينها وبين إسرائيل، هو أمر واقعي يَصبُ في مَصلحة هذه الدول الأربعة قبل أن يصب في مصلحة إسرائيل.
هذه الدُول الأربع إستطاعت أن تَخرج من حالة الصدام والعُزلة النفسية والمعنوية وَجَبروت الكراهية المُترسخة مع إسرائيل والمُغلفة بعواطف وشعارات جَوفاء، أثبتت فَشلها وَتخلفها وَبُعدها عن الواقع، تلك الشعارات التي كان يَرفعها بَعض طُغات المَنطقة الذين ذَهبوا غير ماسوف عَليهم ليُكبلوا بها شُعوبهم وَيلجموها عن المطالبة بالحُريات والحَياة الكَريمة، وَتوفير الخَدمات،خَرجت هذه الدول الى فضاءات العقل والمنطق والرؤية السيتراتيجية البعيدة المدى، والتي من أهم مقوماتها هو الإندماج السياسي والإقتصادي لدول المنطقة، لتدعيم أسس السلام والإستقرار، وخلق أرضية مشتركة لدول الشرق الأوسط، أساسها التَعاون في كافة المجالات وهذا مما سَوف يؤدي الى ضمان المصالح الحيوية للجميع، بدلآ من القطيعة وحالات الصدام والعداء الذي جعل من بعض تلك الدول عرضة لهزات إقتصادية، وعدم إستقرار سياسي، وجعل من الأخرى محط أطماع ومخاطر إقليمية جمة.
إن إقامة علاقات دُبلوماسية كاملة مع إسرائيل تَعني في جانب مُهم منها أيضآ سَحبآ للبساط من تَحت أقدام المُتاجرين بالقَضية الفلسطينية من بعض القيادات الفلسطينية التي يرتبط وجودها ومحور بقاءها ببقاء حالة التأزم، والعداء، وإجهاض كل الطُرق والوسائل الداعية الى إيجاد حَل جَذري، وعادل لهذه القَضية التي أستنزفت الكثير من طاقات المنطقة، وهذه القيادات التي تَعتاش من تلك المُعاناة والتي أثرت ثَراءآ فاحشآ، كانت تُمارس تكتيكآ سياسيآ خبيثآ يَعمل على حصر علاقة العرب مع إسرائيل من خلال تلك القيادات فقط، بحجة ما يسمى دعم ديمومة النضال والمقاومة، وإن الفلسطينيين هم رأس الحربة في النضال، وهذا الكلام عار عن الصحة فما يسمى بالمقاومة إنتهت فعليآ بتوقيع إتفاقات أوسلو،، وأصبح هناك تنسيق أمني وسياسي عالي المستويات بين الطرفين، إذا إستثنينا التنظيمات الإرهابية، لذلك فالعرب غير ملزمين بعد ذلك بالقطيعة مع إسرائيل الدولة المؤثرة في المنطقة، وفي العالم، والموجودة في نطاقنا الجغرافي، والمعترف بها من كل المنظمات الدولية، علاوة على غالبية دول العالم وتحظى بنفوذ وإحترام دولي واسع، وهي دولة عصرية متطورة ومتقدمة وديمقراطية ولها جذور تأريخية في منطقتنا، وليست طارئة أو دخيلة كما كان يصورها عتات القومية العربية.
وقبل أن تخطوا تلك الدُول العَربية خطواتها بإتجاه السَلام مع إسرائيل، قمنا بنشر مقالآ في إيلاف بعنوان (العلاقات السيتراتيجية مع إسرائيل ضرورة وطنية عراقية)، وضحنا فيه مدى أهمية أن يكون العراق سباقآ ومتقدمآ على باقي دول المنطقة في إقامة مثل هكذا علاقات تعود بالفائدة الكبيرة والمردود الإيجابي عليه، لا سيما وأن العراق له جالية يهودية كبيرة تعيش في إسرائيل ويمكن لهذه الجالية أن تَلعب دورآ كبيرة في تَقريب وجهات النَظر بين البَلدين وصولآ لتعزيز تلك العلاقات وعلى كافة المستويات، لكن كَعادة النُخب السياسية العراقية الحاكمة السابقة والحالية في العناد والمُكابرة والمُزايدة حتى على الفلسطينيين في قَضيتهم، هذه النُخب التي كانت ولازالت تَزج العراق بمُغامرات طائشة غير مَحسوبة العَواقب دَفع العراق ولا زال بسببها تَضحيات هائلة بَشَرية وإقتصادية وَمست وجوده وَكيانه كَدولة، هذا إن دَل على شَيئ فإنما يَدُل على إن تلك النُخب مفصولة عن الواقع، ولا يهمها مصلحة الشعب والوطن،، وهي تُكبل العراق من الناحية القانونية وَتضعه في حالة حَرب مع إسرائيل وإن كانت شكلية لكن أضرارها مُخيفة، هذه الأوضاع الشاذة نَرفُضها ونُقاومها بكل قوة، كإعلاميين وَسياسيين مُستقلين كما يَرفضها معنا الكَثير من العراقيين.
- آخر تحديث :
التعليقات