«سأقف غدا وجها لوجه أمام أقوى دول الأرض، أما معتمدي الوحيد فهو على ثقة بلادي وعدل قضيتي. وإنني أشعر بأني قوي جدا. وأنا عظيم الأمل في الوصول إلى اتفاق مُرضٍ. أما إذا لم يسعفنا النجاح. فسأثابر على النضال في سبيل الحق والعدل». كلمة الزعيم سعد زغلول لمودعيه من أفراد الجالية المصرية بفرنسا عشية سفره من باريس إلى لندن في بداية تجربة مفاوضات تعد الأولى من نوعها عن المسألة المصرية، تجريها حكومة ديمقراطية لمصر المستقلة، ويجريها نيابة عن مصر الزعيم المصري سعد زغلول أول من جمع بين الزعامة الشعبية والرئاسة الرسمية في تاريخ مصر الحديث، أو بالأقل منذ الثورة العرابية، حسبما ذكرت الدكتورة لطيفة سالم المؤرخة والكاتبة المصرية في مقدمة كتاب المفكر والمؤرخ الكبير المستشار طارق البشري في كتابه «سعد زغلول يفاوض الاستعمار.. دراسة في المفاوضات المصرية البريطانية 1920- 1924»، والتي كانت أحد أهم أسباب تصريح 28 فبراير 1922 الذي أصدرته بريطانيا تعترف فيه باستقلال مصر وتنتهي ادعاء حمايتها في حدود تعد في أخر الأمر مكسب للأمة المصرية - ويحل ذكراها المئوية اليوم- ، ليؤكد لأول مرة في تاريخ المصري الحديث الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة.
«الطريق نحو إلغاء الحماية يكون عن طريق المرونة مع الإنجليز» هكذا رأي عدلى يكن رئيس الحكومة المصرية في ذلك الوقت والذي استكمل المفاوضات المصرية مع الجانب البريطاني رغم خلافه مع سعد زغلول والخلافات عليه شخصيا فيما صنعه من انقسامات داخلية وبعد جولات من المفاوضات بين عدلى وبريطانيا أعلنت الأخيرة المكافأة المتواضعة لكفاح الشعب المصرى عبر ثلاث سنوات للحصول على الاستقلال حتى ولو كان اسميًا ونص تصريحها الشهير فى 28 فبراير 1922 على:
1ــ إنهاء الحماية البريطانية على مصر وأن تكون الأخيرة دولة مستقلة ذات سيادة.
2ــ إلغاء الأحكام العرفية التى فرضت على مصر فى 1914.
3ــ حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائى بين سلطان مصر وملك بريطانيا، تحتفظ حكومة الأخيرة بتأمين مواصلاتها فى مصر، والدفاع عن مصر ضد أى اعتداء أو تدخل أجنبى فى شئونها، وحماية المصالح الأجنبية فى مصر، بالإضافة إلى إدارة ملف السودان!
لم تصدر بريطانيا هذا البيان طواعية أبدا، ولكنه كان تسليما بحق المصريين في الاستقلال الذي خرجوا من أجله فى ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول، الذى تعرض للاعتقال والنفى ولهذا استقبل المصريون التصريح بفتور حيث رأوا فيه محاولة لخداعه، و يتعارض مع نفى سعد زغلول، وأنه ينطوى على تناقض.. فأى استقلال هذا والاحتلال ما زال جاثماً على صدر مصر؟ ورأوا البعض فى التصريح خطوة للوراء وليس للأمام، ورغم كل هذا فإن هذا التصريح يُعد إحدى ثمار ثورة 1919.
وعلى الرغم إن البعض استقبل هذا التصريح بالفتور لأن بريطانيا لم تعط مصر استقلال فعلى واستمرت في فرض الأحكام العرفية حيث صنعت تبريرات لوجود جيش بريطاني فى مصر، وحرمت مصر من تكوين جيش مصرى، وكذلك بررت التدخلات البريطانية في شئون مصر ..الخ، إلا إن هناك من اعتبره مكسب كبير لسيادة مصر المستقلة حسبما قال المؤرخ الكبير الدكتور محمد أبو الغار في إتصال هاتفي بيننا ولفت إلى إن تصريح 28 فبراير من أهم مكاسب مصر بعد ثورة 1919 العظيمة والتي مهدت الطريق لاستقلال الدولة المصرية، ورأي «أبو الغار» وجود حماية الأجانب طبقا لتصريح 28 فبراير كان ضروري ولصالح المصريين لعدم وجود جيش نظامي منذ ثورة عرابي.
- لابد أن نؤكد ونحن بصدد مفاوضات إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا إن مصر خاضت عبر تاريخها من أجل الحرية والاستقلال الكثير من المعارك والمفاوضات، ودفع المصريون دماءهم وأرواحهم ثمناً لهذا الاستقلال، وهو ما يجب عليه أن يُصر الجانب الأوكراني، ويحضرني هنا كلمات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر: «ثمن الكرامة والحرية فادح، ولكن ثمن الذل أفدح، فلم يعد هناك وسيلة للخروج من حالتنا الراهنة إلا عن طريق صياغة الطريق نحو هدفنا، بعنف وقوة، على بحر من الدم وتحت أفق مشتعل بالنار، والخائفون لا يصنعون الحرية والمترددون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء».
التعليقات