ليست هناك أوقات "مناسبة" للحروب والتي هي دائماً وابداً مرتبطة بالدمار والمعاناة متى مانشبت. لكن اوقات بعض الحروب قد تكون أكثر قسوة وضراوة مما يعتقده المرء.

من المعلوم ان الحرب العدوانية لبوتين على أوكرانيا وقعت بعد عدد من التطورات السلبية وحتى الكارثية في العالم: جائحة كورونا ودراما الهزيمة في أفغانستان والاضطرابات المستمرة والدائرة وربما الابدية في العديد من دول الشرق الأوسط ككل.

ومع ذلك هناك جوانب أخرى يمكن النظر إليها بشكل "شبه إيجابي نسبيا" في ظروفها العامة:

دونالد ترامب لا يجلس في البيت الأبيض، الشخص الذي كان يفضل ان تخرج الولايات المتحدة من عضوية ناتو. وكان هذا الامر من شأنه أن يترك أوروبا بلا حماية ضد المخاطر الروسية. وهذا ينطبق قبل كل شيء على دول الكتلة الشرقية السابقة. اما بالنسبة لأوروبا الغربية، فكان لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقعاً كبيراً. والآن، مع الغزو الروسي لاوكرانيا، فان أهداف سياسة بوتين الخارجية والعسكرية ادت الى عكس ذلك: فقد غدت أوروبا متحدة ضده اکثر من ذي قبل. فعلى سبيل المثال اكتشفت المملكة المتحدة في الأزمة الحالية بفائق السرعة قربها من أوروبا ودولة فنلندا، التي تجاري روسيا بحدود طولها 1340 كيلومتر وتفكر بشكل جدي في التخلي عن "الحيادية" والانضمام إلى التحالف الغربي.

في الائتلافات الحاكمة للدول الغربية، ینعدم بشكل كلي وجود حكومة یتولى فيها السلطة حزب يساري او يميني متطرف ویكون في نفس الوقت موالٍ لبوتين، مما قد يؤدي الى ظهور إنقسام و تردد في المجتمعات الغربية حيال الغزو الروسي.

لم يتم بعد تشغيل خط نورد ستريم 2، والذي كان من شأنه ان يُوقع المانيا تحت رحمة بوتين إلى حد كبير فيما يتعلق بإمدادات الطاقة. وألمانيا على وجه الخصوص هي أقوى دولة في أوروبا من الناحية الاقتصادية والتكنلوجية وصاحب ثالث أكبر اقتصاد في العالم. الواقع القاسي للهجوم الروسي على أوكرانيا قد هز النزعة السلمية الألمانية الراسخة. وهذا كان نقطة تحول بالمعنى الحقيقي للكلمة. فقد إختلفت مقاييس الامور الامنية و العسكرية منذ الغزو الروسي بشكل جذري في برلين. وعندما كان أنطوني بلنكن، وزير خارجية الولايات المتحدة، ضيفاً في برلين، شددا هو ونظيرته الألمانية أنالينا بیربوك كثيراً على كلمة "سويةً". أي أخيراً بدأت ألمانيا في تحمل مسؤوليتها عن الأمن في أوروبا.

مهما كانت "الخسائر" أو "الانتصارات" أو "الطريق المسدود" أو "أي تحول غير منتظر" على كلا الجانبين الروسي والاوكراني، فإن إمكانيات الرئيس الروسي للمناورة محدودة نوعما. إن الاقتصاد الروسي، على الرغم من أنه يحتل المرتبة السادسة بين أقوى الاقتصادات في العالم، إلا أنه لا يعتبر "ناجحاً" وقوياً، ناهيك عن ان یكون مهيمنا اصلاً على الاقتصاد العالمي. وهذا يعني أن بوتين في أغلب الظن سيجد صعوبة في شن حرب طويلة الأمد في اوكرانيا أو فتح جبهة محتملة ثانية ضد دولة اخرى على سبيل المثال جمهورية مولدافيا بزعم حماية الاقلية الروسية هناك.

ومن هذا المنطلق فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يمكن أن يحدث إذا أتت الصين على فكرة مهاجمة وضم تايوان؟ فالصين هي القوة الاقتصادية الثانية في العالم، ومنذ فترة طويلة المنافس الرئيسي والحقيقي للولايات المتحدة والغرب في شتى المجالات و بشكل عام، و بحيازة جيش جرار أكثر قوة وأفضل تجهيزاً من الجيش الروسي، وهي أيضاً كروسيا یحكمها نظام إستبدادي.

فضمن هذا السياق هناك شئ مؤكد على الاقل: إن غزواً محتملاً كهذا سيحمل في طياتە خطورة اكبر على "السلم العالمي" (ليس القصد هنا التقليل من كارثة الغزو الروسي وعواقبه ابداً ولا أي حرب او غزو آخر). لأن اعتماد معظم دول العالم على الإنتاج الصيني أكبر بكثير. الصين قادرة على شن حرب عسكرية واقتصادية في آن واحد. نأمل ألا یصبح هذا السیناریو المحتمل للأسف حقيقة واقعة ومُرة خلال الاعوام القادمة.