التحزب وغياب المهنية والوطنية:
إن ظاهرة انتشار السلاح في الشرق الاوسط بشكل عام ليست بالظاهرة الحديثة بل هي قديمة وذات عمق تأريخي وهي ترتبط بالمجتمعات وخصوصاَ المجتمعات التي تعاني من الصراعات الداخلية والحرب و فقدان الأمن وعدم الاستقرار بسبب هشاشة وضعف سلطة الحكومة وتضاؤل قدرتها على بسط الأمن .
وقد تؤدي هذه الاسباب إلى تنامي القناعة باللجوء إلى الجهود الفردية أوالجماعية لغرض التأمين على حياة ومصالح الأفراد والجماعات .
طبعاً هناك اسباب اخرى لإنتشار السلاح المنفلت في مجتمعاتنا منها : الموروث العشائري , وسهولة الحصول على السلاح , وتفشي ظاهرة الثأروالتي تعتبر واحدة من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في مجتمعاتنا , وعدم إستقلال القضاء وحياد القاضي لتحقيق العدل بين المتقاضين ، وايضاً تأخر القضاء في البت بقضايا التي باتت حبيسة رفوف المحاكم اي (بطئ التقاضي المشكلات والحلول ) .
للاسف ان ظاهرة انتشار السلاح ازدات وبقوة في إقليم كوردستان وخاصة في الاونة الاخيرة ، واعتقد جازماً أن السبب الأهم والأبرز في انتشار الاسلحة المنفلتة في إقليم كوردستان هو ضعف المؤسسات القضائية والامنية بشكل عام ، والتي تعاني من الفساد والتحزب وغياب المهنية والوطنية لدى الكثير من منتسبيها من جهة ، وتوزيع القيادات الكوردية وخاصة قيادات وكوادر الحزبين المتنفذين ( الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني ) الاسلحة كهدايا على مؤيدهم ومؤازريهم من جهة ثانية .

دقّ ناقوس الخطر .. جريمة تلو الاخرى:
قتل (أراس مهدي) وهو طالب بالمرحلة الأولى في كلية القانون في جامعة سوران أستاذين جامعيين في مدينة أربيل يوم الثلاثاء المصادف 28 ـ 6 ـ 2022 ، وهما عميد كلية القانون بجامعة صلاح الدين الدكتور( كاوان إسماعيل) والذي اصيب بـ( 5 )رصاصات بعد اقتحام الطالب المذكور استعلامات الجامعة واطلق النارعليه ، ونقل إثر ذلك إلى المستشفى لتلقي العلاج، لكنه فارق الحياة نتيجة إصابته البليغة. وفور ارتكاب القاتل هذه الجريمة البشعة , انتقل من مبنى كلية القانون إلى ( القرية الجامعية ) التي تسكن فيها اساتذة الجامعات في أربيل , وهناك قتل الدكتور (إدريس حمه خان )وهو استاذ في كلية الهندسة على سطح منزل جيرانه خلال محاولته الهرب من القاتل ، رغم ان زوجة الدكتور( حمه خان ) ، الدكتور (نيشتمان عثمان) كانت هي المستهدفة وليس زوجها ، بعد ان نشب خلاف بينه وبين الدكتور( عثمان ) قبل ثلاث سنوات ، مما تسبب في فصله من الجامعة .
وبعد مرور يومين فقط على هذه الفاجعة , قُتل رجل شاب وزوجته في مدينة أربيل محلة ( سورجي ) إثر هجوم بإطلاق نار من قبل شقيق الزوجة.
وبعد مرور يوم واحد على هذه الجريمة ،اعلن اللواء في القوات البيشمركة (زريان شيخ وساني) يوم الجمعة المصادف 1 / 7 / 2022, بان نجله الذي يحمل رتبة رائد في القوات البيشمركة أقدم على الإنتحار في محل إقامته بقضاء شقلاوة .
وبحسب رئيس لجنة البيشمركة والداخلية والأمن والمجالس المحلية في برلمان كوردستان فان ( الوفيات المرتبطة بالأسلحة النارية في إقليم كوردستان زادت بنسبة 50 % مقارنة بالعام الماضي).


ارتفاع نسبة الجرائم بشكل ملحوظ في إقليم كوردستان:
ان واحداً من المشاكل التي يجب معالجتها فوراً وبدون تماطل أو تقاعس هي قضية حمل السلاح في الإقليم , وخاصة ان معظم جرائم القتل ترتكب بالسلاح ، والسلاح هو السبب الرئيسي للمشاكل وخاصة بعد انتشار السلاح المنفلت وارتفاع نسبة الجرائم بشكل ملحوظ في إقليم كوردستان ، وحسب تقرير صادرعن المدير العام للشؤون القانونية في لجنة حقوق الانسان في برلمان الإقليم تؤكد ان 70 % من الناس في إقليم كوردستان يمتلكون الاسلحة المختلفة .
ويقول الامين العام لوزارة البيشمركة جبار ياور : ( ان استخدام السلاح في اقليم كوردستان هو خطر ليس فقط في الإقليم بل في كل عموم العراق , وان استعمال وبيع الاسلحة ليس مسيطراً عليه لا في الإقليم ولا في انحاء البلاد ) .
وعليه وبعد الحوادث الأخيرة التي شهدتها اربيل أصدرت اللجنة الأمنية في محافظة أربيل ، خمسة قرارات عاجلة منها : إغلاق محلات بيع الأسلحة في أربيل ،وتكليف قوات الأمن والشرطة والزيرفاني وقوات البيشمركة بتشكيل قوات مشتركة وإقامة نقاط تفتيش وتحرٍ في المناطق التي يشتبه في وجود أسلحة غير مرخصة فيها، واعتقال الذين يذهبون إلى الدوائر وهم يحملون الأسلحة، و تعيين نقاط تفتيش أمنية لتنفيذ الإجراءات الجديدة، ويجري التحقيق مع الأشخاص الذين يمرون عبر نقاط التفتيش وسيتم احتجاز أي شخص لديه أسلحة غير مصرح بها على الفور.
وهنا اسأل الجهات المعنية في الإقليم :هل هذه الخطوات لوحدها تعد حلاً لردع ظاهرة القتل وانتشارالاسلحة المنفلتة ام يجب تغليظ العقوبة على المخالفين ومعاملتهم كارهابيين ( بدون استثناء ) ؟ اليس من الضروري ايضاً ان يتم منع استصحاب الاسلحة من قبل ( القوات الأمنية بكافة تشكيلاتها ) إلى المنازل بعد انتهاء الدوام الرسمي ؟


ظاهرة التسلح في المجتمع الكوردستاني:
في عام 2012 ، أي قبل عشرة أعوام بالتمام والكمال دعا برلمان إقليم كوردستان في وقت الذي كان يستعد فيه لتنظيم مؤتمر دولي في أربيل لمناقشة الحد من انتشار الاسلحة الشخصية بالتعاون مع المنتدى البرلماني العالمي , دعا حكومة الإقليم إلى العمل باتجاه المنع الشامل لحمل السلاح من قبل المواطنين ، أو الاتجار به ، وذلك بعد ازدياد ملحوظ في جرائم القتل ، وخصوصاً الجرائم التي كانت ترتكب ولا تزال ضد المرأة ، وجاء في كتاب البرلمان نصاً ما يلي : ( بسبب ازدياد حالات القتل بالأسلحة الشخصية وانتشار ظاهرة حمل السلاح بشكل غير طبيعي , وتحت ضغظ المنظمات الدولية , نطالب الوزارات والجهات المعنية بالالتزام بنص المادة الثالثة من القانون رقم 16 لسنة 1993الخاصة بمنع حمل الأسلحة أو الاتجار بها ) .
ومن الجدير بالذكر ، ان المادة الثالثة من القانون رقم 16 لسنة 1993الخاصة بمنع حمل الأسلحة أو الاتجار بها والصادرة من إقليم كوردستان تنص على : (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تزيد على الفي دينار ولا تقل عن الف دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من حاز او اصلح او حمل اسلحة نارية او عتادها بدون اجازة من سلطة الاصدار )(1 ) .
وعلى الرغم من مطالبات برلمان كوردستان , إلا انه ليس فقط لم يتلقى البرلمان اي تفاعل من قبل احزاب السلطة , وانما كانت الاحزاب وتحديداً (قيادة الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني )توزع المسدسات بسخاوة لشراء ولاء شريحة واسعة من المواطنين ، وفعلاً نجحت قيادة الحزبين المذكورين في تسليح المجتمع الكوردستاني .


مالعمل؟:
على الجهات المعنية في الإقليم ان تعقد جلسات حوارية بمشاركة المختصين والاكادميين في جميع المجالات العلمية والخبراء القانونيين الدوليين والمحليين ومنظمات المجتمع المدني ، لمناقشة ظاهرة انتشار السلاح في المجتمع الكوردستاني، وكيفية السيطرة عليها ، وكيفية تفعيل وتنفيذ صكوك الامم المتحدة بشأن مراقبة الاسلحة الصغيرة , خاصة اتفاقيىة مكافحة الجريمة المنظمة عبرالوطنية لعام 2001 التي انضم اليها العراق في 17 مايس 2008 ، وبروتوكول مكافحة صنع الاسلحة النارية وأجزائها ومكوناتها والذخيرة والاتجار بها بصورة غير مشروعة لعام 2001 التي انضم اليها العراق في 23 مايس 2013 ، حيث وبموجب هذه الصكوك الدولية يتعين على الحكومة والجهات المعنية ان تقوم بتنفيذ ثلاث مجموعات من الاحكام المتعلقة بالاسلحة النارية ، وهي : وضع نظام ترخيص فيما يتعلق بالصنع والاتجار ، واعتبار الصنع والاتجارغيرالقانونيين من الجرائم الجنائية ، ووضع أحكام بشأن وسم الأسلحة النارية وتعقبها. إضافة إلى تفعيل وتعديل قانون الاسلحة لإقليم كوردستان رقم 16 لسنة 1993 ، حسب متطلبات المرحلة والحاجة الماسة لقانون صارم يراعي التطورات الحياتية في الإقليم ويحافظ على الامن الاجتماعي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نص قانون الاسلحة لإقليم كوردستان رقم 16 لسنة 1993:
التصنيف : اسلحة وذخائر ، الجهة المصدرة : إقليم كوردستان ، نوع التشريع : قانون ، رقم التشريع : 16 ، تاريخ التشريع : 05 ـ 10 ـ 1993 ، سريان التشريع : ساري ، عنوان الاتشريع : قانون الأسلحة لإقليم كوردستان رقم 16 لسنة 1993 :
1 ـ أ ـ يعاقب بالسجن كل من هرب اسلحة حربية او اجزائها او عتادها او حازها او حملها او نقلها او اتجر بها او اصلحها او صنعها .
ب – تكون العقوبة السجن المؤبد لكل من قام بتهريب الاسلحة الحربية او اجزائها او عتادها بقصد اشاعة الارهاب او الاخلال بالامن العام او دعم اي تمرد ضد حكومة الاقليم .
2 ـ أ ـ يعاقب بالسجن كل من هرب اسلحة نارية او اجزائها او عتادها او قام بصنعها او الاتجار بها .
ب – تكون العقوبة السجن المؤبد لكل من قام بتهريب الاسلحة النارية او اجزائها او عتادها بقصد اشاعة الارهاب او الاخلال بالامن العام او دعم اي تمرد ضد الحكومة الاقليم.
3 ـ يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تزيد على الفي دينار ولا تقل عن الف دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من حاز او اصلح او حمل اسلحة نارية او عتادها بدون اجازة من سلطة الاصدار .
4 ـ أ ـ يعاقب مدة تقل عن سنة وبغرامة لا تزيد على الفي دينار ولا تقل عن الف دينار ولا تقل عن الف دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من كان مجازا بحمل سلاح ناري فيحمله اثناء اشتراكه في مظاهرات او تجمعات .ب – تكون العقوبة " السجن المؤقت " لكل من حمل بدون اجازة سلاحا ناريا اثناء اشتراكه في مظاهرات او تجمعات .
5 ـ عدا ما هو منصوص عليه في الفقرات السابقة من هذه المادة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد عن الف دينار ولا تقل عن خمسمائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من خالف احكام هذا القانون او التعليمات او البيانات الصادرة بموجبه .