تُصر رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي على زيارة تايوان رغم أن الزيارة لا تقدم شيئا ولا تؤخره بخصوص مستقبل الجزيرة، سوى رفع حدة التصعيد والتوتر العالمي، وزيادة مشاكل العالم نتيجة الانعكاسات الاقتصادية السلبية التي ترافق أي احتمالات لنشوء أزمة جديدة.
الولايات المتحدة اليوم تعيش مرحلة من الخرف السياسي، دون أن بنتائج قراراتها التي قد تطيح بالعالم وتدخل الجميع في نفق مظلم لا نهاية له، رغم الدروس والعبر التي أفرزتها قرارتها بخصوص حرب روسيا وأوكرانيا.
التحذيرات الروسية من الرعونة الأوكرانية فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقية مينسك لم تتوقف على مدى أعوام، إلا أن واشنطن أصرت على دفع موسكو إلى زاوية الخيار العسكري وجرت كل أوروبا معها، على أمل استنزاف القوة الروسية العسكرية والاقتصادية، والنتيجة حتى الآن أن أوروبا هي من استُنزفت، وخسارة أوكرانيا أكثر من 20% من أراضيها، ومعاناة العالم من أسوء أزمة اقتصادية مرتبطة بالغذاء والوقود وارتفاع غير مسبوق في نسب التضخم، فيما الاقتصاد الروسي يحقق فوائض مالية مريحة.
التحذيرات الصينية اليوم شبيهة بالتحذيرات الروسية، وحدة التصعيد في مضيق تايوان ترتفع إلى حدودها القصوى، فيما واشنطن تصر على أن سياستها تجاه بكين لم تتغير، وعلى الأرض تزور رئيسة مجلس النواب الأمريكي تايوان وترسل رسالة قوية بأن واشنطن تسعى إلى استفزاز بكين في مسألة تمثل خطاً أحمر بالنسبة لبكين و"مبدأ الصين الواحدة"، فإذا لم يكُن هذا استفزازاً فلماذا هذه الزيارة وما الحاجة التي دعت إليها؟ أم أنها تهديد مبطن لأبعاد الصين عن المحور الروسي.
الرئيس الصيني شي جين بينغ كان واضحاً تماماً عندما أكد للرئيس الأمريكي جو بايدن أن "أولئك الذين يلعبون بالنار سيهلكون بها"، ولا يختلف هذا التصريح عن تصريحات فلاديمير بوتين قبل غزو أوكرانيا، وحدث ما حدث وغرق العالم في أزمة لا يعرف أحد نهاية فصولها وإلى أين ستصل، خاصة في ظل التعنت الأمريكي والأوروبي في ضخ كميات ضخمة من الأسلحة لضمان استمرارية المعارك.
السياسة الأمريكية اليوم في حالة خرف واضح محلياً ودولياً، فالرئيس الأمريكي غير قادر على اقناع المواطن الأمريكي بسياسته وقراراته وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي التي أظهرت انخفاض معدل شعبية بايدن إلى 38 %، وأن 75% من الديمقراطيين ضد ترشحه لدوره رئاسية ثانية.
وعلى الصعيد الدولي خسرت واشنطن مناطق نفوذ تاريخية، ولعل نتائج زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط تعزز هذا الطرح، فقد عاد إلى واشنطن خالي الوفاض دون أي مكاسب تُحسب له لا على صعيد تهدئة أسواق الطاقة ولا تغيير موقف دول المنطقة من الحرب الروسية الأوكرانية، وكل ذلك نتيجة التهور الأمريكي عندما قررت أمريكا الانسحاب من أفغانستان دون أي اعتبار لوجهة نظر حلفائها وعدم تصديها لتهديدات الحوثي للأمن الإقليمي ناهيك عن معضلة الموقف من البرنامج النووي الإيراني.
واشنطن تسير في اتجاهات غير مضمونة العواقب، والعالم يدفع ثمن قراراتها، فرغم عمق الأزمة التي أفرزتها جائحة كورونا ازداد الطين بلة نتيجة الحرب الروسية وانعكاساتها على تصدير الحبوب والغاز، وفي حال وصل التصعيد في مضيق تايوان إلى مرحلة التصادم العسكري، فإن العالم لا محالة ذاهب إلى مرحلة مظلمة تماماً تعيد رسم الخارطة العالمية بكل تجلياتها، وآثارها المدمرة خاصة على الدول النامية.
الخرف الأمريكي أصبح الخطر الأكبر على استقرار العالم وازدهاره، والتعنت الأمريكي في إظهار القوة الأمريكية ليس في محله، فالعالم تغير والقوى الصاعدة لم تعُد تحسب حساباً كبيراً للتوجهات الأمريكية، حتى الدول الحليفة التي لطالما كانت تحت المظلة الأمريكية بدأت تتململ من هذه المظلة التي أصبحت أقرب إلى الفزاعة التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، والجميع اليوم يبحث عن تحالفات جديدة في مقدمتها التحالف مع روسيا والصين.
بالمحصلة فإن زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان سواء حدثت أم لم تحدث لن تصل نتائجها حد الصراع العسكري المباشر أو المباشرة بغزو صيني للجزيرة ولكنها حتماً ستزيد ضغطاً جديداً يضاف إلى الضغوط الكبيرة التي يرزح تحتها العالم، والتي قد تكون في مجملها قابلة للانفجار في وجه الجميع، والوصول إلى أسوأ السناريوهات.
- آخر تحديث :
التعليقات