منذ عام 1948 يتظاهر العراقيون بتحريض سياسي لا جدوى منه.

يكرر العراقيون هذه الايام ترديد شعار (المصريين) خلال الربيع العربي (الشعب يريد إسقاط النظام)، والمصريون انفسهم تخلوا عن ترديد هذا الشعار لكونه أدخلهم في (فوضى) لعدة سنوات خرجوا منها بصعوبة بعد ان استعاد النظام نفسه زمام الأمور، وسط تأييد من قبل نفس الشعب الذي طالب بإسقاطه.

ومنذ عام 1948 يتظاهر العراقيون تحت شعارات سياسية ليس لها علاقة بواقعهم المعيشي ولا بحقوقهم كمواطنين، حيث خرجت في تلك السنة تظاهرات في ساحة الوثبة وسط بغداد جرى تدوينها في كتب التاريخ باسم (وثبة كانون)، وهي تظاهرات خرجت للتنديد بـ (معاهدة بورتسموث).

وبالطبع لا احد يهتم من أجيال هذه الأيام بـ (معاهدة بورتسموث) التي اندلعت بسببها انتفاضة عارمة في بغداد سقط ضحيتها شهداء، كان من بينهم (جعفر الجواهري) شقيق شاعر العرب الاكبر (محمد مهدي الجواهري)، وسقط هذا الشهيد على (جسر الشهداء) الذي سمي باسمهم فيما بعد، حيث اندلعت في وقتها مواجهات بين المتظاهرين الذين كانوا يصرون على عبور الجسر وبين قوات السلطة، وهي احداث شبيهة بما وقع على جسر الجمهورية في اضطرابات تشربن/2019، والتي يطلق عليها (انتفاضة) أيضاً.

ويستمر تاريخ العراق السياسي الحديث في تدوين احداث عديدة مشابهة لبعضها على شكل انقلابات وثورات وانتكاسات وانتفاضات، جميعها ينطلق من محركات خارجية تحت مانشيتات ايدولوجية وفؤية ابعد ما تكون عن هموم المواطن، مثل ما حصل في (1958)، (1963)، (1968)، ووصولاً لما يحدث هذه الأيام من اضطرابات يصفها الصدريون بـ(ثورة عاشوراء).

ولا احد يريد حتى معرفة تفاصيل تلك الاحداث، ولا حتى استذكارها، وهي من مفارقات التاريخ العراقي الحديث، حيث تبدو تراكمات الاحداث ليس لها أثر مفيد في بناء الوعي الوطني، وهو ما يؤكد على ان الفعاليات السياسية تلك غالباً ما كانت فوقية ومزاجية تحتدم في المنطقة العليا بهدف الاستحواذ على السلطة دون إعارة الاهتمام لما دون السلطة والمتمثل بتلبية احتياجات الناس.

ولعلنا جميعاً نلاحظ اليوم حجم التلاعب بمعاناة الناس الذين يحترقون تحت لهيب الشمس دون توفر ادنى انواع الخدمات لهم، وهم يرددون شعارات كمالية لا يدخل منها في جيوبهم شيء على الاطلاق حتى لو تحققت اهداف التظاهرات جميعها، ومن هذه الشعارات (تعديل الدستور) او (انتخابات مبكرة).. الخ من الهتافات المكررة التي تصب في صالح رجال السلطة فقط.

ولهذا تبدو مطالب المتظاهرين في العراق منذ عام 1948 وحتى هذا العام 2022 مطالب ليس لها علاقة باحتياجاتهم كمواطنين، وانما هي مطالب تتعلق بطموحات ورفاهية الطبقة العليا، التي تتصارع فيما بينها للحصول على المزيد من (الثروة + السلطة)، فهي شعارات وخطابات وهتافات مضحكة نسمعها هذه الأيام من أفواه المحرومين والمعدمين والمغرر بهم، بعضهم يريد (حل الحشد الشعبي) واخر يطالب (بعودة الكتلة الصدرية) وثالث يريد (التجديد لكاظمي الغدر) واربع يريد (اسقاط القضاء) وهي اهداف وشعارات تذكرنا بـ (رفض معاهدة بورتسموث) التي لم يعد يتذكرها أحد.