كعادتها، لم تفوت الجامعة العربية التصعيد الأخير الذي حصل في غزة لتصدر سلسلة من بيانات الشجب والتنديد والتحذير بأشد العبارات على حسب وصفها والتي لا تعدو كونها مجرد تسجيل موقف من دون أن يكون له انعكاس على سير الأحداث، سوآءا أكانت هذه البيانات مجهزة للتعقيب عن تصعيد في الأراضي الفلسطينية أو عن حدث مشابه في أحد الأقطار العربية، لتؤكد بذلك على أنها مؤسسة قد افرغت من محتواها وفقدت القدرة تماما على التأثير في الملف الفلسطيني وعلى جميع بنود المؤتمر المؤسس لها في قمة انشاص سنة 1946 كيف لا وهي التي نادت ب ضرورة الوقوف أمام الصهيونية، باعتبارها خطر لا يداهم فلسطين وحسب وإنما جميع البلاد العربية والإسلامية أما الان فهي تلتزم الصمت حيال ما جرى وما يجري من صفقات التطبيع بين العرب وإسرائيل من دون ان يتحقق السلام الدائم والشامل ومن دون أن تعود إسرائيل الى حدود 1967 وتقوم الدولة الفلسطينية.
عقود من الفشل في دعم القضية الفلسطينية وقمم مليئة بالمناكفات مزقت شمل العرب، تحولت فيها اللاءات الثلاث التي اطلقت في الخرطوم عام 1967 من “لا صلح، ولا تفاوض مع اسرائيل ولا اعتراف بها‘’ الى لاءات ثلات ترد على التطبيع ب "لا أسمع لا أرى لا أتكلم" اختزل فيها العرب المطبعون موقفهم بعد أن اختاروا السلام مع إسرائيل قبل تصفية الحسابات التاريخية معها وبعد ان اختلف الفلسطينيون فيما بعض ليحملوا القضية الفلسطينية وهنا على وهن، ولم يتبقى من المواقف العربية المحافظة على نهجها اتجاه فلسطين وقضيتها سوى التي لا تقدم ولا تؤخر من الوضع شيئا.
مؤخرا، اجتمع مكتب مقاطعة إسرائيل في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بحضور الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة بالجامعة العربية الدكتور سعيد أبو علي، وعدد من الدول العربية واتفقوا على ضرورة استمرار المقاطعة العربية لإسرائيل وذلك استنادًا لقرار قمة تونس المنعقدة بتاريخ 31 مارس 2019 الذي نص على أن "مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي ونظامه الاستعماري هي أحد الوسائل الناجعة والمشروعة لمقاومته وإنهائه وإنقاذ حل الدولتين وعملية السلام، قد تبدوا مخرجات هذا المؤتمر ممتازة شكلا ومضمونا ولكنها لا تعدوا كونها مخرجات بدون روح كغيرها من قرارات الأجهزة الجامعة العربية لا تمد للواقع بصلة وليست قادرة على التأثير في الملف الفلسطيني : لقد تزامن هذا الاجتماع في الوقت التي تحتفل فيه إسرائيل بالإنجازات الكبيرة التي حققتها اتفاقية ابراهم على الصعيد الاقتصادي حيث بلغ حجم التبادل التجاري السلعي بين دولة الإمارات وإسرائيل خلال 2021، 1.154 مليار دولار أمريكي. كما ارتفع بين المغرب وإسرائيل، خلال السنة الأخيرة بحوالي 6% ووصل إلى حوالي 90 مليون دولار، وارتفع التبادل التجاري بين "إسرائيل" والأردن بنسبة 54 في المئة مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغ 55 مليون دولار، كما ارتفع حجم التبادل التجاري مع مصر بنسبة 41 في المئة، أما البحرين و"إسرائيل" فقد تحولت من لا شيء إلى 1.2 مليون دولار خلال عام واحد، كل هذه الاحصائيات وغيرها تكشف أن مكتب مقاطعة إسرائيل لا يمكنه أن يصل الى شيء إذا كانت الجامعة العربية التي أنشأته لم تقل شيئا على موجة التطبيع.
ان دعوة الجامعة العربية لمقاطعة إسرائيل اقتصاديا كعقاب على اعمالها في فلسطين، قد لا يتعدى أن يكون نوعا من الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني، غير قادر على تحقيق الفائدة المرجوة منه إذا لم يتبع بقرارات سياسية من مراكز القرار التي دخلت في علاقات تجارية مع إسرائيل وهي المعنية بالأمر أكثر من الدول التي لا تقيم علاقات تجارية مع ما تزال تسميه الكيان الصهيوني، هنا تكمن المشكلة اذ ان الجامعة العربية أساسا غير مستعدة للمواجهة وغير قادرة على احتواء أي تفكك جديد قد يسببه التدخل في مسائل وشؤون دول عربية اختارت المضي في عملية السلام من دون التفكير في الرؤية العربية المشتركة في الصراع العربي الإسرائيلي، هناك يمكننا القول أن الجامعة العربية لا تملك فعليا أي وسائل تجعلها قادرة على ممارسة دور فعال في القضية الفلسطينية.
وأمام العمليات الوحشية التي تنفدها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني تقف الجامعة العربية عاجزة عن سن قرار واحد يردع إسرائيل، وتكتفي بالتعقيب عن كل جريمة يرتكبها الاحتلال في حق شعب فلسطين والمقدسات الإسلامية من دون أن يكون لبياناتها أي صدى على مستوى داخل إسرائيل، في الوقت الذي كان بالإمكان أن تهدد الدول العربية التي اختارت التطبيع بمراجعة هذا الخيار في حالة ما إذا استمرت إسرائيل بتكرار ممارساتها العدوانية واستهدافها للمدنيين: لقد أبعدت إسرائيل من حساباتها الجامعة العربية وتأكدت أن ضعفها يأتي من ضعف العرب وانقسامهم أساسا، وأن أقصى ما يمكن أن تقدمه الجامعة العربية لفلسطين في ظل وضع العرب الحالي هو تقديم بيانات شديدة اللهجة سرعان ما ينساها الناس وسرعان ما تختفي من أعمدة الصحافة.