هل يُمكن أن نُعزّي الأنفس أو نواسيها عندما نُردد أبيات الشاعر إيليا أبو ماضي "نَسيَّ الطينُ ساعةً أنه طِينٌ حَقيرٌ – فَصالَ تَيهاً وَعربَد، وكسى الخِزّ جِسمهُ - فَتباهى وَحوى المالَ كيسهُ فَتَمرّد" هل ترسم هذه الكلمات الواقع الحقيقي والتَمرّد الأخلاقي لأولئك الذين يتنمّرون على بَني جِلدتهم عند إعتلائهم درجات السُلطة، هل هُم كذلك؟.

في إدراكنا المُتواضع أنّ مفهوم السياسة وفضائها الواسع بدأ في المُجتمعات البشرية القديمة بإعتباره عمل إنساني أو تَطوّعي يرتقي إلى مستويات الخدمة الإنسانية يحاول فيه المتطوّع تخصيص جُزء من وقته المُستقطع وحياته الخاصة لِمنفعة عامة تعود بالنفع لجمهوره دون إنتظار أي مُكافئة أو مردود يعود عليه بالربح، لكن يبدو أننا كُنّا مُخطئين في تفسير هذا المفهوم فالحقيقة إن عالَم السياسة تَحوّل عندنا إلى لهيب مُستعر يلتهم كُل شيء عندما أصبحت السياسة هي الهواء الذي نتنفسه بعد أن دخلتْ إلى جميع مفاصل الحياة تَجذب إليها كُل الوحوش البشرية التي تطمع إلى المكاسب، تحمل أقنعة وشعارات مُتعددة ذاتُ ألوان مُختلفة من الزُهد والوَرع والتقوى والوطنية الزائفة لِتختفي ورائها تلك الوجوه المُشوّهة بحيث حوّلوا مفهوم السياسة إلى إتجاهات مُغايرة وغيّروا ثوبَها من مهنة نبيلة تُعِين البشر إلى تِجارة أو حتى خُبث مُقزز زاد من عتمة الحياة التي يَحياها المواطن العراقي.

أصبحت عالَماً يتم دبلجته في دهاليز الغُرف المُظلمة للإحزاب بأصوات الدسائس والمُؤامرات وخِداع الشعب فأصبح من الطبيعي أن تتناسل المصالح والإيرادات بحيث أن الجميع بات يتآمر على الجميع.

حتى قوانين السماء عندما هَبطتْ على الأرض تَلقفتّها أيادي هؤلاء لتتلوث بأهوائهم وأمزجتهم المريضة فإستباحوا كُل المُحرّمات والمحظورات بإسم هذه القوانين ورفعوا رايات التَمّرد بكل وقاحة وإلتحفوا بشعارات تبرير أفعالهم الدنيئة في السرقات والفساد واللصوصية لِمصالحهم ومنافعهم الخاصة إلى أن أصبحتْ أزماننا في عهدهم إلى كومة من التعاسة واليأس وأحلامنا إلى ضياعٍ وفوضى.

قوانين السياسة وألاعيبها لم تَعُد تخدم سوى مصالح كهنة المعبد مُحترفوا الكَذب والتضليل والخِداع فحصلوا منها على كل شيء يُريدونه أو يتمنّونه في هذه الحياة من قصور وأموال ووجوهٍ مُترَفة وبذخ مُفرط بحيث لم ينقصهم سوى طلب الخلود والأبدية.

أما نحنُ فُقراء الله على الأرض أولئك الذين تتم سرقتنا وخِداعنا يومياً ونحنُ نبتسم ونضحك لهم وربما نستمتع بِمن يسرقنا فقد إعتدنا على مُزاولة هذا الفُقر والبُؤس والتعايش معه منذ سنين طويلة ولن نتوقف عن تلك الأفعال لأننا مهما حاولنا فسنبقى أرقاماً في عالمهم الذي يُسمونه السياسة، وفقرنا أسلحتهم التي يتحاربون بها فيما بينهم حتى لو كُنّا قتلى أو جرحى لايهم مادام الساسة يستعينون بنا في أيام الإنتخابات وفي حروبهم الدامية وصراعاتهم المحمومة لقاء التفضّل علينا بقليل من الحياة مع مُتطلبات بسيطة تُديم لنا إستمرارية هذه الحياة، يتم إستدعائنا كجنود إحتياط في أية لحظة يشاؤون.

لقد تحوّلت حياتنا بفعل عالمهم إلى مَشهد كوميدي مُبكي لايُمكن توصيفه بحيث يجعلنا ننتظر النهاية تهبط من السماء بعد أن غابتْ الحلول عن أولئك البشر الذين إستكثروا على الفقراء حتى أحلامهم البسيطة وحياتهم المُتواضعة..وذلك هو معنى عالَم السياسة الذي يفهمونه.