يعاني النظام الإيراني، داخليا، من مخاطر انتفاضة شعبية لا تشبه أيا من سابقاتها. وخارجيا، من عداوات وصراعات وتحديات تستنفذ كما هائلا من قدراته السياسية والاقتصادية والأمنية، وتجعل حياته شقية في الداخل والخارج، إلى أبعد الحدود.
وتؤكد أنباء الانتفاضة الشعبية المتصاعدة أن النظام المطبوع على العنف والشدة والهمجية في قمع شعبه متردد وخائف. فإن استخدم العنف المفرط، كما فعل بشار الأسد بأطفال درعا 2011، فقد يزيد الثورة قوة وانتشارا، ويصبح مضطرا لقتل الآلاف ومواجهة رأي عام دولي لا يرحم، في زمن غير زمن بشار، وفي ظروف إقليمية ودولية غير الظروف التي أعانت ديكتاتور سوريا على قتل الشعب السوري.
ولأول مرة يوجه المرشد الأعلى سؤالا إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، لماذا تتآمر علينا؟، تماما كما سأل الشاه محمد رضا بهلوي الرئيس الأمريكي كارتر، لماذا تتآمر علينا، ثم سقط.
فقد أعرب الولي الفقيه عن قناعته بأن أمريكا وإسرائيل وراء هذه الانتفاضة، أو على الأقل تعملان على استغلالها لإحراج النظام، ولإضعافه وإعادته إلى بيت الطاعة من جديد.
والظاهر أن هذا ما جعل النظام الإيراني يتحرك لترضية أمريكا وإسرائيل. فقد قرر اتخاذ القيام بثلاث محاولات،
أولا، أمر صنيعته حسن نصر الله بأن ينسى المقاومة والممانعة ومحو إسرائيل، ويبارك التطبيع مع إسرائيل، ويوافق على الاعتراف بترسيم الحدود.
ثانيا، أمر وكلاءه العراقيين بضخ مليون برميل من نفط العراق خارج نظام الحصص الذي أقرته OPIC PLUS، ونكاية بالسعودية التي خفضت الإنتاج، وانتهازية للتقرب زُلفى من الأمريكان، ولحمل الإسرائيليين على وقف ضرباتهم السرية والعلنية لمواقع عسكرية حيوية في الداخل ومعسكرات ومليشيات في سوريا في هذا الوقت العصيب، بشكل خاص.
وثالثا، توقف الحرس الثوري عن قصف أربيل، ثم منع أولاده العراقيين من اتهام مسعود البرزاني بالعمالة للموساد، ونصحهم بمنحه كل ما يريد، حتى لو كانت سابقا من المحرمات، ثمنا لعودته إلى التحالف معهم من جديد.
وقد جاءت الإنجازات الثلاثة بنتائجها الباهرة سريعا، ودفعة واحدة. ففجأة وافقت أمريكا والأمم المتحدة على إزاحة برهم صالح لإرضاء مسعود، وسهلت عملية انتخاب رئيس جمهورية وتكليف رئيس وزراء جديد، وإنهاء حالة الانسداد الذي دام سنة كاملة، في أربع وعشرين ساعة، بسحر ساحر عليم وخبير.
فالمرشد الأعلى وقادة طاقمه المعمم العسكري والمدني، وكل خبراء أجهزة مخابراته ومؤسساته يعلمون بأن ليس لهم غير العراق معين ونصير نافع وقادر على رفد النظام في إيران بالمدد المالي والعسكري والتجاري والمخابراتي الذي لا تستطيع أية مستعمرة عربية إيرانية أخرى فعله، عند الحاجة، وليست حاجته اليوم إلى نجدة العراق بقيلية.
فكأن النظام الذي عجز عن قهر شعبه في الداخل أراد أن يحاصره من الخارج، وبالعراق خصوصا، لإرهابه وتهديده بالعراقيين.
وحكومة إطارية خالصة قادرة على السرقة بحرية، وعلى ضخ المزيد من المال والسلاح والرجال إليه دون قيود ولا حدود، وتخليصه من مشاكسات مقتدى وتظاهرات التشرينيين التي كانت أمريكا وإسرائيل والسعودية تحاول استثمارها لمحاصرة النفوذ الإيراني في العراق، هي ع طلب الولي الفقيه. فإن وضعا كامل الفساد في العراق هو أنسب ما يحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وقد وصفه وزير المالية المستقيل، علي علاوي، أحس وصف، فقال، "تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد وسحب مليارات الدولارات من الخزينة العامة". "لقد وصل هذا الأخطبوط الهائل من الفساد إلى كل قطاع من قطاعات الاقتصاد والمؤسسات في البلاد".
ولأن العراقيين، وخاصة منهم الشيعة، يُعلقون الأمل على انتصار الشعب الإيراني لتحريرهم من الحرس الثوري ووكلائه الفاسدين المفسدين العراقيين فقد أصبح تفتيتُ التجمعات العراقية الشعبية الهاتفة (إيران بره بره) وتمكين الإطاريين من إضافة سلاح جيش الدولة العراقية ومخابراتها وأموالها إلى سلاح فصائلهم وحشدهم الشعبي هو الهدف الأول للنظام الإيراني، لأنه عامل رعب وإرهاب لردع انتفاضة الإيرانيين والإيرانيات، واستعادة القوة والقدرة على الصمود.
ولكن السؤال المهم هنا، هل ستتمكن إيران، حتى لو دعمتها أمريكا وإسرائيل، من وقف الطوفان الجماهيري في إيران، وبركان الغضب الشعبي العراقي الذي يوشك أن ينفجر، خصوصا بعد أن زاده الإطاريون والإيرانيون والأمريكيون والإسرائيليون، يوم 13 تشرين، قوة وتصميما على الموت أو الانتصار؟
وخلاصة الخلاصة في هذه المقالة هي أن العراقيين فقدوا الصبر على حكومات الغش والظلم والعمالة والتخلف والاختلاس، ولم يبق لهم سوى نصرة الشعب الإيراني، ومقاتلة الإطاريين بما لهم من قوة ومن رباط الخيل. هذا ما تقوله خفايا السياسة وما يقوله منطق الزمن الذي لا يسير إلى وراء.