كان جيران إيران من العرب ولازالوا أكثر المتضررين من أنظمة الحكم الدكتاتورية المتعاقبة عليها خاصة نظام سلطة الملالي الذين تمادوا في عدوانهم على البلدان العربية المجاورة وغير المجاورة تحت مسمى تصدير الثورة، وتحرير القدس يتم مرورا بكربلاء؛ وهدموا العراق وسوريا ولبنان واليمن وأهلكوا فلسطين وشوهوا الدين ولم تتحرر القدس، بل ولم يستطيع الملالي الحفاظ على بلدهم وتكريم شعبها عندما تولوا بالباطل أمرها ولن يكون نتاج الباطل إلا هلاكا.

ثلاثة وأربعون سنة مهلكة مرت على الشعب الإيراني وشعوب المنطقة تخللتها العديد من المواجهات المحتدمة سياسيا وعسكريا بين الملالي والمقاومة الإيرانية كلفتها عشرات الآلاف من الشهداء ما بين معدومين بالباطل في السجون وقتلى في الشوارع أثناء الاحتجاجات في بدايات عهد الملالي الذين توشحوا بالشر وتوضأوا بالدماء منذ البدايات، وانتهى الأمر اليوم بنهوض وغليان دماء الشهداء المغدورين ثائرة في أصلاب أبنائهم وأحفادهم الذين عاشوا الآلام والمحن مع أهلهم وذويهم منذ ولادتهم فلم يعودوا يطيقون ألما او يحتملون صبرا، ولا عجب في أن نرى فتيانا وفتيات صغارا وشابات إيرانيات يتصدرون الثورة الإيرانية غير مكترثين بالعواقب فالدافع إلى ذلك أكبر من كل العواقب؛ إنها الغيرة والحمية التي تتقاذفهم إلى الشوارع وساحات الموت فذكريات ذويهم تطاردهم، وأنين الأهل يوجعهم، وحال بلادهم وشعبهم يصيب بالغثيان، والمعيشة والحياة مكللة بالذل، والقيم مهددة بالزوال الكلي، فماذا بعد فوق الجحيم؟ مساسٌ بالشرف بإستهتار عجيب، وهنا خُدِش الحياء وهانت النفس ولم يجد هؤلاء الشباب وأولئك النسوة الشابات والفتيات الصغيرات سوى النزول لـ لي العمائم على رقاب الرؤوس التي حملتها وإن لم تكفي فحبال بطون من وقع قد تكفي لتعليقهم، فقد استخفوا بالشعب وجودا وكرامة وما يقع عليهم من ردود أفعال هو دينٌ واجب السداد.

على الجانب الآخر كان الموقف العربي ضعيفا هزيلا كعادته، هزيلا في رؤيته وتفسيره وردود أفعاله، أو بالأحرى لا موقف ولا رؤية ولا أصداء تتعلق بالثورة الإيرانية وضرورة إنجاحها للخلاص من وباء تلك العمائم الدموية التي لم تنتج مدرستها سوى الباطل أينما حلت لم تنبت ولم تغرس إلا باطلا ولبنان دليلا، والعراق أسوأ وأدل ،وسوريا ويلات وكوارث وكوليرا تدلل على حجم أجساد الضحايا التي بقيت بين الركام ولم تجد سترا سليما لها يكرمها ويقي الأحياء من التبعات البيئية التي نتج عنها وباء الكوليرا، كوليرا يا عرب في القرن الحادي والعشرين، ومن لم يكتفي من العرب ولم تحفزه وقائع الحال في لبنان والعراق وسوريا فلينظر إلى اليمن السعيد الذي أصبح بينه وبين السعادة قرون، أربعة دول عربية تبجح نظام طهران بإحتلالها علنا ويسعى للتسلح نوويا وصاروخيا ليكون السلطان وتتحول بلدان العرب إلى ولايات وأقاليم توابع للسلطان كأمر واقع يفرضه على من شاء ومن أبى، والسؤال هنا ألا يستوجب كل هذا رؤية تقول أننا جزءا لا يتجزأ من محيطنا وأن ما جرى في إيران فيما مضى كلفنا الكثير ولا زال؟، وأن الثورة الإيرانية هي خلاص لنا مثلما هي خلاص للشعب الإيراني؟ فلنتحلى بدقة وعمق الرؤية والتفاعل مع قضايا محيطنا.

كان الصمت الإقليمي العربي والإسلامي إلى جانب المواقف الغربية الداعمة والساندة بشكل مباشر وغير مباشر، وسياسة النأي بالنفس أحد أهم الأسباب التي جعلت نظام طهران يقمع جميع انتفاضات شعبه طيلة السنوات الثلاثة والأربعون الماضية وأبقته على سدة الحكم يقمع بالداخل ويعتدي بالخارج ويقوض سيادات الدول ويقضي على إستقرارها ووجودها، ولقد هدد نظام طهران الغرب في عقر داره والغريب أن الغرب بقي على سياسة المهادنة والمساومة حتى وقت قريب جدا وحتى بعد احتداد الثورة الإيرانية، وعلى الرغم من أن الغرب سيصطف مع الفائز أياً كان لكنه وجد نفسه اليوم مرغما وهو بعيد عن ساحة الأحداث مرغما على اتخاذ موقفٍ داعمٍ للثورة الإيرانية وللمرأة الإيرانية الثائرة ويتنامى موقفه يوما بعد يوم وفق قياس تطورات الأحداث!، فأين العرب من الثورة الإيرانية ومأساة الشعب الإيراني الإنسانية على الأقل، وأين مواقفهم من أجل مستقبل بلدانهم وشعوبهم؛ هل ينتظرون أن يتحولوا من دول ذات سيادة إلى أقاليم تابعة تابعة لسلطان طهران...؟ أفيقوا يا عرب وليكن لكم دور فاعل في صياغة أحداث المنطقة والعالم.

وقد يكون خطابا هذا إنفعاليا لكنه معبرا عن وجهة نظر مسؤولة ومنتمية لأمتنا.

#فضاءـالرأي