بعد 55 يومًا من بدء الانتفاضة الإيرانية، عندما لفظت مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا أنفاسها الأخیرة بسبب ضربات دورية الإرشاد، لا تزال إيران تشتعل في نيران انتفاضة غير مسبوقة بمشاركة الشباب والنساء والمواطنين على مستوى البلاد.

كل يوم، يشدد الثوار أكثر من قبل على مطلب الإطاحة بالنظام برمته. وبهذه الطريقة لا توجد طريقة للإصلاح وتصحيح الإجراءات أو تبدیل الأفراد وما شابه ذلك. وقال أحد عناصر حكومة محمد خاتمي، زعيم «الإصلاحیین» في النظام، مؤخرا لوكالة رويترز للأنباء: "يشعر الناس أن الإصلاحيين ساعدوا المتشددین من خلال الوعد بإصلاحات كانت مستحيلة بسبب وجود الأصوليين في السلطة. وقال: "علينا أن نقبل أن جيل الشباب في إيران لا يريدنا. لقد ماتت حركة الإصلاح".

وتتجه الأنظار نحو القوات العسكرية من الجيش والحرس الثوري المكروه.

قال قائد القوات البرية للجيش، العميد كيومارث حيدري، يوم الأربعاء إن "سبب عدم مواجهة المعارضین بشكل عنیف یعود إلی إرادة علي خامنئي"، وإذا أصدر خامنئي الأمر، "فلن يكون للمعارضة قطعا مكان في هذا البلد".

ومع ذلك، قبل ثلاثة أسابيع، شرحت في مقالي إلی أن جمهورية الملالي، حتى مع استخدام قواتها العسكرية المختلفة، لا تملك القوة لمضاعفة القمع. منذ ذلك الحين، امتدت المظاهرات إلى مزید من الجامعات والمدارس، وانتشرت الإضرابات الصناعية في جميع أنحاء البلاد. كما أن عدة مدن تقضي ساعات من اليوم تحت سيطرة المحتجين، ورغم استمرار القمع والقتل اشتدت الانتفاضة.

بالنسبة لدور القوات المسلحة في استمرار الانتفاضة فتوجد علامة استفهام. لأن هناك نوعان من المفاهيم الخاطئة في كلا طرفي الطيف:

يبحث البعض عن دور وهمي للجيش وحتى لقوات الحرس لأن یكونا أداة لقلب النظام وإقامة الحكومة التي يريدها الشعب الإيراني من خلال انقلاب عسكري واستيلاء الجيش على السلطة.

وعلى النقيض من ذلك، يخشى آخرون من الدور الهدّام والمعيق لهذه القوات، وخاصة قوات الحرس، لاعتمادها العقائدي على الحاكم والولي الفقیه، في حال الإطاحة بقادة النظام بانتفاضة الشعب. يعتقدون أن هذه القوة المسلحة من ذوي الخبرة حتى لو تمت الإطاحة بالحكام، لن تسمح للثوّار بإقرار نظام ديمقراطي منشود.

كلا المجموعتين تسلك الطريق الخطأ بنقاط انطلاق مختلفة
أولئك الذين ينظرون إلى الاستيلاء على السلطة من خلال القوات العسكرية والانقلابات العسكرية لأن یكون هذا الاستیلاء "نقطة النهاية" للانتفاضة، يُعتبرون أساسًا من الموالین للنظام، مع اختلاف أنهم توصلوا إلى استنتاج مفاده أن القادة الحاليين مكروهون بدرجة لا یمكن حفظهم في السلطة. وبالنتيجة، يجب الحفاظ على النظام بقوة عسكرية، ويجب تغيير الوجوه، ويجب تنفيذ الإصلاحات قدر الإمكان للاستجابة لمطالب الشعب.

هذه المجموعة، حتى لو كانت صادقة في أفكارها ولا تتقدّم بنوايا الآخرين الساعية إلى بقاء السلطة، أولاً وقبل كل شيء، فهي بعيدة كل البعد عن مغزی انتفاضة الشعب الإيراني، أي الحرية والديمقراطية، أی نظام قائم على اصوات الشعب. هذا الاختلاف في الرأي يجعلهم لا يرون عمق رغبات ومطالب الشعب الإيراني في السعی علی إقرار الحرية والديمقراطية، بل یقلّل مطلب الشعب إلى مستوى حرية اللباس أو أقصى شیء تغيير للوجوه.

مثل هؤلاء الأشخاص، فإن المجموعة الثانية، التي تخشى وصول القوات المسلحة على سلطة غير محدودة بعد الإطاحة المحتملة بالحكم الحالي، لها أیضاً فهم سطحي وناقص لطبيعة القوات المسلحة في هذا النظام.

والسبب هو أن الجيش المتبقّي من نظام الشاه، خلال العقود الأربعة من حكم الملالي، مع تغيير قادتها، أصبح قوة آمنة للنظام، الذي يشارك بشكل عام في مراقبة الحدود بعيدًا عن المدن ومراكز الانتفاضة.

على عكس دول مثل تركيا أو الجزائر، لم يكن الجيش الإيراني "سياسيًا" في التاريخ الحديث لإیران. كما أن قادة الجیش كانوا تحت إطاعة الشاه ومنفّذین لأوامره. في عهد الشاه، لم يكن لهذا الجيش وجود سياسي خارج نظام الشاه، وحتى في انقلاب صيف عام 1953 ضد الدكتور محمد مصدق، الذي أعاد الشاه الهارب إلى السلطة، لم يلعب هذا الجيش دورًا حاسماً، بل كان حسم المعركة‌ بید وكالتی الاستخبارات البریطانیة‌ والأمریكیة‌ وبمشاركة‌ السیاسیین ورجال الدین التابعین لهما. وفي الساحة‌ كانت لبلطجية محليين وعناصر محددة من الجيش أیضا دور فیه. في الوقت نفسه، لم يتخذ التنظيم العسكري السري لحزب «توده» الشیوعي في الجيش أي إجراء بسبب خيانة قادة هذا الحزب وهروبهم. والنتیجة أن الشرطة السریة التابعة للشاه فكّكت ودمرت هذا الحزب وجناحه السري في الجیش. وبعد الإطاحة بحكم الشاه، لم یحظ الجيش بثقة الملالي أبدًا، وحسب بعض قادة‌ النظام كانت نسبة‌ كبیرة من قوات الجیش النظامي مؤيدة لحركة المقاومة الإیرانیة ومجاهدي خلق.

بطبیعة الحال، قام نظام الملالي بتغییر جميع كبار قادة الجيش على مر السنين واستبدلهم بقادة الحرس.

قوات الحرس الثوري، القوة "المؤدلجة" لنظام الملالي، ليس له هوية وجودية مختلفة عن هوية ولاية الفقيه، وفكرة أنه سيشن في يوم من الأيام "انقلاباً" على قادته الأيديولوجيين بعيدة كل البعد عن الواقع. لأن هذا معناه أن نتوقع من السكين قطع مقبضها، كما یقول المثل الفارسي.

وبالتزامن مع شعارات الموت لخامنئي، نسمع في المظاهرات شعارات الموت لقوات الحرس أیضا. وحالياً یعتبر الحفاظ على قوات الحرس على مستوى القادة من أولویات النظام. وأمر حسين سلامي القائد العام لقوات لحرس، في تعليمات جدیدة بإبعاد المتذمّرین من هذه القوات عن المشاركة في قمع المظاهرات ومهمات الحرس.

في الوقت نفسه، وعلى افتراض استحالة ذلك، فإن أي استيلاء على السلطة من قبل قوات الحرس وأي نوع من «الانقلاب» يعتبره الشعب الإيراني مجرد امتداد للنظام الحاكم وسیبقی غير قادر على وقف الانتفاضة، في حين أن هؤلاء الأشخاص بخلفيتهم الأيديولوجية غير قادرين على تجنب أي من الإجراءات الصارمة للنظام الحالي كتنازلات لتهدئة المحتجين. فلماذا يجب على الناس قبولهم في قمة السلطة؟!

إذن، في الانتفاضة الحالية في إيران، لا يُتوخى دور سياسي حاسم للقوات العسكرية للنظام الحاكم، ومن غير المناسب النظر إليها أو الخوف من دورها بعد الإطاحة بالنظام.