بعد قرابة أكثر من أسبوع على حبس الأنفاس في الولايات المتحدة ، بانتظار الاعلان عن النتائج النصفية للكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ)، والتي تجري منتصف ولاية كل رئيس أميركي، وتشمل جميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعدًا، والحزب الحاصل على 218 مقعدًا على الأقل يفوز بالأغلبية، وهو ما حققه الحزب الجمهوري في مجلس النواب حيث تبلغ عهدة النائب سنتين، مما يعني أيضًا رحيل رئيسة المجلس نانسي بيلوزي التي اشتهرت بخصومتها الحادة للرئيس السابق دونالد ترمب؛ فيما حافظ الديموقراطيون على الأغلبية في مجلس الشيوخ في الانتخابات التي تشمل 35 مقعدًا من إجمالي 100 مقعد، حيث تبلغ عهدة ولاية السيناتور 6 سنوات.

وفي قراءة أولية للنتائج يمكن أن نسجل النقاط التالية :

أولاً: أن سيناريو فوز الحزب المعارض خلال ولاية الرئيس كثيرًا ما يتكرر وهو ما حصل خلال هذه الانتخابات، إذ نادرًا ما يبدي المواطن رضاه التام عن الانجازات لا سيما وأن البلاد تشهد غلاءً وارتفاعا حادًّا في أسعار الطاقة منذ مطلع هذا العام، فالناخب الأمريكي خاصة في الولايات المتأرجحة لا يمنح كل السلطات التنفيذية والتشريعية لحزب واحد، وغالبًا ما يُحدد موقفه بناءً على مستوى الخدمات و ارتفاع اسعارالفائدة، ويمنح صوته للأقدر على تحقيق رفاهية العيش أكثر من اهتمامه بالأبعاد السياسية والاستراتيجية البعيدة المدى.

ثانيًا: على الرغم من أنَّ المؤشرات جميعها أظهرت تراجع شعبية الحزب الديموقراطي، وشملت انتقادات حادّة لأداء الرئيس الحالي جو بايدن في مواجهة الأزمات لا سيما التضخم الاقتصادي، حيث كان من المتوقّع ان تشهد النتائج موجةً حمراء كاسحة للكونغرنس بأغلبية جمهورية كبيرة، إلا أنّ الديموقراطيين استطاعوا ان يقلصوا خسارتهم إلى حدّها الأدنى وجاءت نتائجهم أفضل مما كان متوقعًا بكثير.

ثالثًا: استطاع الديموقراطيون الاحتفاظ برئاسة مجلس الشيوخ، إثر تنافس شرس كاد أن يطيح بالأغلبية الديموقراطية لولا الصوت المرجح لنائبة الرئيس كاميلا هاريس.

رابعًا: بطبيعة الحال فإن مجلس النواب الأميركي بأغلبيته الجمهورية الجديدة سيواجه بايدن بالعديد من الملفات، كما سيعترض او يمنع تمرير بعض القوانين كتخفيض الدعم العسكري لأوكرانيا، ايضًا ستعمل الأغلبية على فتح قضايا غسيل الاموال والتهرب الضريبي المتهم بها نجل الرئيس.

خامسًا: لن نجد تغييرا جذريًّا في السياسة الخارجية حيال الدول العربية، انما سيركز الجمهوريون على المصالح المادية والاستراتيجية اكثر من اهتمامهم بقضايا الديموقراطيات في الشرق الأوسط أو دعم ملفات حقوق الانسان. اضافة الى مواقفهم الواضحة حيال ايران. أما فيما يتعلق بالشأن الروسي فإنهم يرون ضرورة تخفيض الدعم الأمريكي المقدم لأوكرانيا.

سادسًا: الأنظار الآن كلّها تتجه إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، وفيما يتحضّر الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب إلى جولة حادّة لمواجهة الرئيس الديموقراطي الحالي جو بايدن الذي ابدى نيته الترشح لولاية ثانية، فإن انظار الشباب من الحزب الجمهوري تتجه نحو ترشيح رون ديسانتس حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري الشاب الذي أبدى اداءًا رائعًا في إدارة أزمة اعصار ايان في اكتوبر الماضي، والذي ساهم الى حدٍّ كبير في فوزه الكاسح في انتخابات حكام الولايات.

أخيرًا، بقي أن نشير الى التدوينة المدويّة التي نشرها رجل الأعمال الروسي يفخيني بريغوجين، على مواقع التواصل الاجتماعي لشركته كونكورد، عشية الانتخابات النصفية الأمريكية في الثامن من نوفمبر حيث قال: "لقد تدخلنا. نقوم بذلك وسنواصل القيام بذلك بحذر ودقة، بطريقة موضعية، بطريقتنا الخاصة" مشيرا الى التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، التي فاز بها ترمب على المرشحة الديمقراطية حينها هيلاري كلينتون.

وإذا ما بقي الوضع على ما هو عليه و أمام كل هذه المعطيات يجد الناخب الأميركي نفسه أمام اختيار صعب عام 2024 ، فعليه الاختيار ما بين الرئيس بايدن الذي تجاوز الثمانيين بأداء لم يلب الطموح والرئيس السابق ترمب الذي أثار الجدل بمواقفه الحادّة. في وقت يتطلع فيه الشباب من كلا الحزبين الى وجوه جديدة تقود البلاد وتواجه الأزمات بخطوات ثابتة.