خلال اتصال هاتفي جمعه بوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن أنقرة لن تحدد جدولًا زمنيًا لعملياتها في سوريا أن حربها ضد الإرهاب ستستمر بعزم وتأتي المكالمة الهاتفية بعد أسبوع من استهداف القوات التركية لمعاقل حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الإرهابي في سوريا، ردا على التفجير المميت في شارع الاستقلال بإسطنبول في نوفمبر الماضي يأتي هذا بعد أن فشل أردوغان في استمالة الأسد نحو مصالحة لا يرى فيها الأسد أية فائدة في الوقت الحالي.
رفض الرئيس السوري اليد الممدودة التي تقدم بها أردوغان لطي خلافات الماضي والترتيب لعلاقات جديدة تماما مثلما تفعل أنقرة مع أعداء الأمس وأقصد هنا السعودية ومصر والامارات في إطار ما يطلق عليه "ديبلوماسية صفر مشاكل" والمؤكد أن هذا الرفض قد فوت على أنقرة الحصول على تفويض سوري يعطي ضوءا أخضرا لعمليتها العسكرية في الشمال السوري من دون أن يتم اتهامها بانتهاك السيادة ومن دون ان تشوش هذه العملية المحدودة على مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة وأن تركيا تريد ضرب عصفورين بججر واحد: المحافظة على متانة العلاقات مع روسيا التي تتواجد عسكريا في سوريا و التصالح مع نظام تأكد انتصاره على ثورة 2011 ولم يعد من المنطقي التعامل مع الملف بنفس الأسلوب الذي تعامل به أردوغان في بدايته.
وفي نفس التوقيت الذي جاءت فيه تصريحات من أنقرة تخطب ود دمشق من أجل ترتيب لقاء بين الأسد وأردوغان نشرت وكلة سانا الرسمية للأنباء مقالا يتحدث عن الذكرى 83 لاحتلال تركيا لما يسمى لواء اسكندرون وهي منطقة تقع تحت السيادة التركية كان الاعلام السوري يتجنب اثارة الحديث عنها أيام كانت العلاقات السورية التركية على أحسن حال، ووصف المقال ما تقوم به تركيا بتزييف الحقائق والوقائع في تلك المنطقة واختتم المقال بعبارات قوية حيث وصفت الوكالة ما تقوم به تركيا منذ 11 سنة بالمجازر والجرائم الوحشية ضد الشعب السوري، هذا المقال والذي يأتي في خضم محاولات أنقرة لطي خلافها مع دمشق يعبر بوضوح عن أن سوريا تريد اغتنام الفرصة لتضع مسألة لواء إسكندرون ضمن الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات كشرط لتطبيع علاقاتها مع تركيا.
بشار الأسد وان كان فاشلا في إدارة البلاد وعاجزا عن القضاء على فساد مسؤوليه الذي أكل الأخضر واليابس وساهم بشكل كبير في انتفاضة الشعب ضد حكمه، الا أنه رجل يحسن قراءة الأحداث ويستعمل البراغماتية السياسية لتغيير مواقفه عندما يتقضى الأمر، ولعل قراره بعدم المضي قدما نحو العودة الى الجامعة العربية قد كان نابعا من فكرة أن هذه العودة لن تقدم شيئا جديدا لسوريا ولن تكسبه شرعية دولية ولا إقليمية بل ستدفعه الى تقبل املاءات خليجية تضع مصير علاقاته المتينة مع إيران على المحك، وهو أمر لا يمكن أن يحدث لاعتبارات عديدة من بينها الموقف الإيراني مما حدث في 2011 والدعم العسكري الذي ساهم في انقاذ النظام من السقوط حين تنكر العديد من الأصدقاء له.
وفي الملف التركي يتعامل الأسد كذلك بالبراغماتية فهو يدرك جيدا أن تركيا تحتاج التقارب للقضاء على الأكراد في شمال سوريا وترغب في تمكين قواته النظامية من السيطرة بشكل جيد على الحدود المشتركة وهي الخدمة التي لا يريد أن يقدمها الأسد بدون مقابل، خاصة وأنه يعي جيدا أن تركيا وان أرادت التقارب فهي تبحث مصالحها وفقط وعن تطبيع أمني يضمن استقرار حدودها ويضيق الخناق على الأكراد، إضافة الى أنها ترغب في التخلص من موضوع اللاجئين السوريين فيها، بالمقابل سيكون هذا مكلفا للأسد الذي يتخبط في مشاكل اقتصادية وطاقوية.
كان بإمكان أردوغان أن يستعمل بعضا من الاغراءات الاقتصادية ليبين حسن النية والمصلحة المشتركة التي يريدها من التصالح مع سوريا كأن يعلن عن استعداد أنقرة برعاية لمؤتمر اعمار سوريا أو اغلاق الدكاكين الإعلامية الموجودة في بلاده والتي تمارس تشويشا على الأسد ونظامه أو حتى تأجيل العملية العسكرية في شمال سوريا الى ما بعد التقارب مع دمشق، حتى لا تتسبب في احراج على المستوى الشعبي في سوريا. لقد كان الديبلوماسية التركية متسرعة نوعا ما عندما خاطبت الروس مباشرة ظنا منها أن الحل يأتي من موسكو وليس من دمشق وأن الأسد سيوافق على لقاءه من دون تردد وأن سوريا تحتاج تركيا أكثر من حاجة تركيا لها، وبعابرة أدق: لقد كان من الخطأ التقزيم من حجم الأسد ووضعه في ثوب الضعيف والاعتقاد بأنه ينتظر طوق النجاة من أنقرة.
الفرصة لا تزال متاحة على الرغم من رفض الأسد للمصالحة، ولكن النشاط العسكري التركي في شمال سوريا ينبغي أن يكون في إطار مهمة محددة وسريعة وألا يتم التبرير من خلاله لانتهاك سيادة الأراضي السورية كما يجب على النظام في تركيا أن يحدد موقفه وبشكل واضح من المعارضة السورية التي يرعى بعضها داخل أراضيه وأن يتم الفصل في المسائل الحدودية بالشكل الذي يضمن للأسد عدم تورطه في تطبيع قد يغير من جغرافية سوريا لمجرد ضمان أمن تركيا القومي، غير ذلك فان تقارب النظامين سيبقى معلقا الى اشعار آخر.
التعليقات