بالإمتحان يُكرَمُ المرءُ أو يهان.. إمتحانين في كورونا وزلزال خوي بإيران؛ وكورونا وزلزال غازي عنتاب في تركيا..

لم نكد ننتهي من آلامنا على ضحايا الزلزال وقع في مدينة خوي وضواحيها بمحافظة آذربايجان الغربية في شمال غرب إيران حيث هدم الزلزال أكثر من سبعين قرية وخلف عددا من الموتى وأكثر من 1171 مصابا بحسب منظمة الهلال الأحمر في النظام الإيراني، بالإضافة إلى تشريد عشرات الآلاف من الإيرانيين الفقراء ضعيفي الحال الذي لا حيلة لهم وقد بقوا في العراء في ذلك البرد المميت والثلوج والأمطار في منطقة قاسية شتاءا شديدة البرودة، وبقى مشردو الزلزال في حيرة من أمرهم إذ لا يمكن للبعض منهم العودة إلى بيوتم التي لازال فيها أمل للعيش فيها على أنها أرحم من العراء المميت خوفا من تبعات الإرتدادات الزالزالية التي قد تصيب المنطقة من جديد أما البعض الآخر فلا يمكنه مجرد التفكير في النظر حتى إلى بيوتهم التي باتت أطلالا مفزعة مرعبة، وتتعاظم معاناة ضحايا الزلزال في خوي بتعاظم لا مبالاة النظام الإيراني وعجزه المستمر في إدارة الدولة وعجزه عن إدارة الأزمات ومنها أزمة كارثية كأزمة زلزال خوي وغيرها من الأزمات..، ولم نكد ننتهي من آلام خوي ومعاناة أهلها وما جرى معهم حتى دخلنا في هول زلزال غازي عنتاب التركية وضواحيها، وحلب وإدلب السوريتين، تلك الكارثة المأساوية التي حدثت والناس نيام في غفلة من أمرهم وحتى لو كانوا في يقظة فهم أيضا مختبأون ببيوتهم من شدة البرد ولن يمهلهم الزلزال وقتا للنجاة، كارثتين إنسانيتين وقعتا على أهالي مدينة خوي في إيران، وأهالي المناطق التركية والسورية الواقعة في محيط زلزال كهرمان مرعش، وقد تكون عمليات الإنقاذ والإغاثة أكثر سهولة وأهون حالاً صيفاً لكن الأضرار والضحايا كان من الممكن أن تكون أعلى بكثير في حال وقوع الزلزال صيفا، وتتعاظم كارثة الزلزال في المناطق السورية منه لوقوع تلك المناطق في دمار تام بسبب الحروب ونقص الإمدادت والموارد واندثار البنية التحتية لتلك المناطق في حين تتمتع المناطق التركية على خط الحدود بأوضاع أفضل لتوفر بنية تحتية وإدارة قادرة على تغطية المتطلبات وإدارة الأزمة ولا يمكن مقارنة الوقع في شمال سوريا حيث لا دولة ولا مؤسسات فيها قياسا مع المناطق التركية في دولة مقتدرة ذات مؤسسات .. دولة تفرض سيادتها على كافة أرجائها برا وجوا وبحرا، وسريعة التجاوب في مناطق وأوقات الأزمات.
وبنظرة سريعة دقيقة ومختصرة سندرك الفارق بين الدولتين إيران وتركيا من حيث المصداقية والحس المسؤول والقدرات، والعلاقات الدولية وحجم اللياقة والقبول لكل دولة منهما في المجتمع الدولي.

إيران (كدولة) من المفترض أنها دولة متمرسة في الكوارث والأزمات وكذلك متعددة الموارد والأجهزة الحكومية الفضفاضة التي من شأنها إحتواء أكبر الأزمات والكوارث الطبيعية بحكم التجارب المتعددة والدروس المستقاة منها.. هذا فيما يتعلق بإيران الدولة.. أما إيران الملالي فتختلف تماما وكل الإختبارات التي تقع فيها تنتهي بمهانة وفشل وسقوط ذريعين، وذكرتني كارثة زلزال خوي التي شردت سكان أجزاءا من مدينة خوي وسبعون قرية في ضواحيها ذكرتني بأحداث فترة تفشي وباء كورونا في إيران الذي استخدمته أغلبية أجهزة حكومة نظام الملالي كوسيلة سياسية وكذلك وسيلة للتربح على حساب المواطنين الفقراء البؤساء الذين لا حول ولا قوة لهم وقد احتلت إيران أعلى معدل لتفشي الفيروس قياسا بدول مضطربة كسوريا والعراق أو بدولة قليلة الموارد والقدرات كالأردن وكثير من الدول الأخرى، وانحصرت أزمة كورونا في تزمت النظام فيما يتعلق باستيراد اللقاح لقاح شرعي على القبلة وآخر غير شرعي على غير قبلتنا وآخر لا قبلة له لكنه حلال!؟، ونتيجة مماطلات النظام في توفير اللقاح المطلوب تمت إتاحة الوقت لعصابات الأزمات داخل النظام من أجل بناء قنوات لتوفير اللقاح وتحقيق أرباح مالية طائلة من خلال شراء اللقاح من مناشئ رديئة ورخيصة من تلك التي لا قبلة لها وإعادة بيعه على وزارة الصحة بأسعار عالية وتربحوا على حساب الأزمة.. وقد كانت قصص كورونا مع الشعب الإيراني قصصا مرعبة وكنا نسمعها على ألسنة كبار المسؤولين بالنظام في سياق صراع الضباع علما بأن جميع مسؤولي النظام استخدموا اللقاح الإمبريالي الغير شرعي لأنفسهم وذويهم ولا نعرف لذلك تفسيرا سوى تخمينا بأنهم قد يكونوا معفيين من الحلال والحرام أو أنهم لا علاقة لهم لا بدين ولا بحلال أو حرام، ويعاد تكرار نفس السيناريو سيناريو الوقت مع ضحايا زلزال خوي إذ يمضي على وقوع الزلزال إسبوعا كاملا والناس تصرخ وتئن في العراء وفي ذلك البرد القارس المميت وتحت تلك الثلوج ولا تزال أزمتهم لم تنتهي وبعضهم حصل على مساعدات جزئية بسيطة والبعض الآخر حصل على خيمة فقط، والبعض لم يحصل على شيئا مطلقا، وفوق هذا ترى أن الدولة التي من المفترض أن تحل هذه الأزمة في ساعات لم تحرك ساكنا وأخذت وقتها بكل بلادة وبرود، وسبقت قواتها القمعية قوافل مساعداتها، ولم تسمح في بادئ الأمر لقوافل المواطنين الإيرانيين الذين هرعوا من مناطق أخرى لنجدة مواطنيهم من تقديم ما أمكنهم من دعم إغاثي كفيل بتوفير الحد الأدنى الآني على الأقل للتخفيف من معاناة المنكوبين والمتضررين، نعم لقد منعوهم وتركوا الناس بآلامهم، ويقول بعضهم لبعض من لم يُقتل في الزلزال فسيقتله البرد، وهذا ما أضطر البعض منهم إلى التسرب من المكان والذهاب إلى قرى ومدن أخرى قريبة، علما بأن مستودعات الدولة مليئة بالمواد الإغاثية اللازمة لكن عامل الوقت الذي أضاعوه سيوفر لهم غطاءا لبناء عقود مشتريات ومبيعات تتعلق بمواد الإغاثة توفر بدورها أرباحا طائلة في ظل هذه الأزمة، ويزورهم الملا إبراهيم رئيسي الذي عينه خامنئي كرئيس للجمهورية بمسرحية انتخابات هزلية وتعرفون من هو إبراهيم رئيسي فهل سيشعر بهم وبمعاناتهم هكذا رئيس، ولقد زارهم بيد فارغة وتجول لأقل من ساعة في جزءٍ من مسرح الكارثة ونعق بعدة كلمات لن ترى النور كعادتها، وكان من المفترض بروتوكوليا أن ترافق زيارته قوافل إغاثية متنوعة كبيرة وأن توزع على الأقل مواد وأغذية تتعلق بالنساء والأطفال في حضوره؛ ولكن شيئا من ذلك لم يكن.

بالمقارنة تعاملت تركيا بصرامة ومسؤولية عالية في أحداث كورونا واتبعت نظام حجر صارم ووفرت اللقاحات والأمصال سريعا وأدت ما عليها وطنياً بشكل يستحق الإشادة، واليوم نفس الحال في زلزال غازي عنتاب إذ تعاملت بحس عال بالمسؤولية وأعلنت مناطق الزلزال فوراً مناطق منكوبة واستغاثت بالعالم اشتغاثة مكلوم على شعبه ووضعه رغم خلافاتها، واستنفرت كل قواها ورصدت قرابة 6 مليار دولار قابلة للزيادة تحت تصرف كافة المؤسسات القائمة على معالجة الأزمة وانهالت على تركيا قوافل الإسناد والإغاثة ذلك لأنها (تركيا) عنصر دولي له وزنه ودوره وحضوره الدولي على عكس نظام الملالي القائم في إيران، وقد تم احتواء أزمة المشردين فوراً، والعمل على قدم وساق لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض.

وهنا قد يبدر إلى الأذهان سؤالٌ مفاده ماذا لو كان زلزال غازي عنتاب قد وقع في إيران لا قدر الله إذ لا نتمنى ذلك لأحد.. ماذا لو وقع في ظل نظام الملالي المتحكم في إيران؛ أعتقد أننا سنحتاج لمفردة لغوية جديدة لوصف ما سيكون عليه الحال ...!

أما آثار الزلزال في سوريا فهي كما أوضحنا خارج المقاييس تماما فالنكبة نكبة فوق نكبة فوق نكبات، لكن الشعب السوري سيتغلب على أزمته ولن يكون بمفرده وها هم السوريون بإمكانيات بسيطة يخرجون ضحاياهم الأحياء والأموات من تحت الأنقاض أدواتهم مروءتهم وقدراتهم عزائهم، ومؤكدا أن من عاش كل هذه الأزمات الثقال في سوريا سيتعافى مما هو فيه إن شاء الله. والله غالب على أمره.

عافانا الله جميعا وإياكم.