هزات ارتدادية عديدة بمقياس الأخلاق ضربت نظام الأسد وشبيحته في العمق بعد أن تم توثيق شهادات من داخل سوريا تؤكد سرقة المساعدات الإنسانية التي وصلت من عدة أقطار عربية للمتضررين من الزلزال الذي ضرب شمال البلاد، وهو ليس بالأمر الجديد على سوريا والسوريين، اذ لطالما تعرضت المساعدات الإنسانية للنهب وهو ما أكده سابقا مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "CSIS" في تقرير نشره العام الماضي يؤكد تورط مرتزقة النظام السوري قام بسرقة 96 بالمائة من المساعدات الإنسانية الأممية.

وبعد أن فاحت رائحة الفضيحة ونشر غسيل النظام الوسخ في كل أرجاء المعمورة خرج وزير التجارة السوري لينفي عمليات السرقة محملا المواطنين مسؤولية بيع المساعدات الإنسانية في الأسواق، ثم اعتقلت جهة أمنية نظامية الناشط السوري معين علي الذي عبر عن سخطه في فيديو أكد فيه أن النظام يضع عراقيلا بيروقراطية في تحول دون وصول المساعدات الى المناطق المتضررة لينتهي بها المطاف في بطون الشبيحة، وهو الفيديو الذي أدى الى اعتقاله ثم الى تغيير شهادته في فيديو ثان وفق ما طلبته أجهزة النظام القمعية ليفلت هذا الأخير من عقابها وليوجه انتقادا لوسائل الاعلام المعارضة باستغلال شهادته وفضح النظام.

لقد اصطاد النظام السوري من خلال كارثة الزلزال عصفورين بحجر واحد عندما استغل الكارثة الإنسانية ليمارس عقابا جماعيا على سكان المناطق المحررة ويذكرهم بان الحل والربط لا يزال بيده، وعندما أكد لهم بأنهم لا يزالون خاضعين لسلطة الأسد بعد أن انتظرت الأمم المتحدة موافقة "حاكم دمشق" لدخول المساعدات عبر معبري باب السلام والراعي وهو مكسب سياسي للأسد الذي لطالما وصفه المجتمع الدولي بـ "مجرم حرب" الذي وجد في محنة الزلزال فرصة للنزول الى شوارع حلب ليطل على المتضررين من الزلزال بابتسامة لا تحترم هيبة الموت الذي عصف بالسوريين.

ابتسامة الأسد أثارت اشمئزاز السوريين والعالم العربي كله حتى وان كانت عفوية، لكنها تدل وبشكل قاطع أن الرجل تعود على رائحة الموت والخراب لدرجة أنه نسي حينها أنه بصدد زيارة الى منطقة متضررة من زلزال مدمر خلف مئات الموتى وعشرات الالاف من المشردين والجوعى والبردانين، ليلخص مشهد الابتسامة للسوريين بأن "رئيسهم" لا يأبه لمعاناتهم ذلك لأنها بالنسبة له جزء من واقعهم الأليم وقدر اختار السوريين للعيش في كنف "سوريا الأسد"، فلمن لم يمت بالزلزال مات في سجون النظام، ومن لم يمت في السجون مات غرقا في رحلة الهروب منها ومن لم يمت غرقا مات قهرا من حال البلاد ووضعها الاقتصادي الميؤوس منه.

سرقة المساعدات الإنسانية في ظل كارثة إنسانية أمر فظيع ولكنه لا يمكن أن ينسينا شيئا أفظع منه وهو كيف سرق حافظ الأسد بلدا بكامله وضيع جزءا منه ثم سلمه لأبنه ليدمره، وكيف وضع خراب البلد في كفة وبقاء نظام الأسد في كفة أخرى في ثورة 2011، وكيف كانت البراميل المتفجرة تفتك بالناس ليموتوا خنقا بدون ذنب، وكيف نفذ شبيحة الأسد اعداما مصورا لعشرات المدنيين فداءا للقائد وتطهيرا للبلد من "الخونة" وكيف هتف المرتزقة في البرلمان السوري سنة 2011 بشعار "شبيحة لأجل عيونك يا أسد" ليعطوه تفويضا شعبيا بممارسة التشبيح.... بضعة أطنان من المساعدات الإنسانية لا يمكن تحزننا أكثر من ضياع بلد بأكمله.

أبان الزلزال للجميع الصورة الحقيقة للنظام السوري العاجز عن تحقيق العدل حتى في توزيع البطانيات والأغذية في الوقت الذي تتقاطر فيه المساعدات من كل حدب وصوب وفي مقدمتها من البلدان الخليجية التي يتهمها بشار بالعمالة والخضوع للمشروع الأمريكي، كما أبان أيضا عن حجم الكارثة الأخلاقية الحقيقة التي تضرب عمق النظام وتؤكد بأنه نظام لا يأبه لمعاناة البشر ولا يرى فيهم سوى رقم قومي خاضع للواجبات الضريبية أو لخدمة العلم أو لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات "المزورة" من دون ان يكون لهم الحق حتى في أن تحترم مشاعرهم في حضرة الموت.... تلك هي سوريا وذلك هو النظام السوري الذي لا يمكن أن يتغير.