المفارقة: هي (خاتمة لشيء تبدو غير مقبولة مستمدة من فرضيات تبدو مقبولة) على حد ما يرى الفيلسوف الانكليزي (مارك سينسبري).. لهذا فهي تناقض المنطق..

كثيرة هي المفارقات في الحياة التي تناقض المنطق، لكن أن يكون الدينار العراقي بهذا المستوى أمام الدولار، وفي حالة من التذبذب في الصعود والهبوط على مدى سنوات طويلة.. ذلك هو الشيء الغريب والعجيب.. وأيا كان السبب في إرتفاع الدولار مؤخرا.. أمريكا برقابتها على الدولار وحركته أو إجراءات بنوكها أو البنك العراقي أو موضوع المنصة وتبعاته أو إستخدام هذا النظام الاداري والمصرفي أو ذاك في متابعة حركة الدولار أو التهريب، أو ما شاء للمراقب أن يذكر من الاسباب فان (سيادة الدولار) في السوق العراقية تعد حالة غريبة ومفارقة عجيبة لبلد يحصل على أكثر من 90 بالمائة من موارده المالية بالدولار..

المنطق يفرض العكس - أي أن يكون الدينار العراقي هو (السيد) في التعاملات الاقتصادية واليومية.. ويمكن معرفة ذلك ببساطة من قوة العملة الوطنية للبلدان المصدرة للنفط وبالذات الخليجية القريبة منا، فهي تشهد حالة من الاستقرارالمتسم بالقوة.. لان للدولار حصته الاوفر في مواردها المالية وله دوره المؤثر في خلق تنمية تأتي بموارد مالية أخرى وتسد جانبا من حاجاتها المحلية.. وهذا ما كان عليه العراق أيضا قبل الحصار حيث كان الدينار محافظا على مستواه القوي أمام الدولار...

وكان لارتفاع سعر صرف الدولار مؤخرا -الى مدى كبير قبل الاجراءات التي اتخذها البنك المركزي العراقي- تأثيره الواضح على الاسرة العراقية وبالذات الفقيرة والنشاط الاقتصادي عموما ومستوى التضخم بارتفاع اسعار السلع خاصة ونحن بلد يستورد أغلب حاجاته بالدولار مما أدى الى أن يكون الاستيراد أحد ابواب الفساد وتهريب العملة الاجنبية.

من المفارقات الاخرى.. مستوى الفقر والبطالة في بلد نفطي بلغت عائداته من النفط العام الماضي 115 مليار دولار، ويعد ثاني أكبر منتج للنفط في اوبك ويملك احتياطات هائلة من النفط لها تسلسلها المتميز بين الدول المنتجة للنفط.. ومع ذلك فان نسبة الفقر عالية وتشكل نحو 25 بالمائة من السكان فيما تشكل البطالة نحو 16,5 بالمائة على حد ما يُعلن في الاعلام نقلا عن المصادر.. وهذه الحالة تُعد غريبة على الدول النفطية الخليجية على سبيل المثال حيث ساعدها النفط في التخلص من البطالة وتشغيل العمالة بمختلف الكفاءات والاعمار وتفعيل القطاع الخاص في مختلف النشاطات وبناء تجارب تنموية خاصة متميزة جعلتها تحتاج الى الايدي العاملة الاجنبية.

* رصاصة الدينار في جبين النظام السياسي

* ما العلاقة بين سعر الدينار العراقي وتهريب الدولار إلى إيران؟

لقد توصل باحثون ومفكرون منذ وقت مبكر الى أن الموارد الطبيعية، ومنها النفط قد تتحول الى لعنة أكثر من كونها نعمة وقد تتعدى في أثارها الجانب السياسي الى الجانب الاقتصادي فتكون مركبة في أثرها السلبي اذ قد تحول الدولة الى (دولة ريعية) ليست في الموارد التي تعتمد عليها في الموازنة فقط، بل تحول المجتمع الى (مجتمع ريعي) يتأثر في حياته بما تحصل عليه البلاد من عائدات النفط سلبا أو إيجابا في معدلات الفقر والبطالة ومستوى معيشته وما يقدم اليه من خدمات في مختلف القطاعات وفي نشاطه الاقتصادي الخاص والعام وما يحتاجه من سلع.

وتلك مفارقة غريبة أخرى تشكل حالة قلق دائم للمواطن وخاصة الفقير لانها تربط الحياة وحركة السوق بالاستيراد والدولار وانفاق موارد عالية عليه يفترض أن تصرف على الصناعة والزراعة لتوفير جزء مهم من حاجات المواطن الاساسية من الداخل بدل أن تذهب الى الخارج وتكون بابا للتهريب والفساد.

هذه مفارقات غريبة في عصر لا يزال النفط (سيد الطاقة) ويحتل الصدارة في مصادر الاقتصاد.. ومع وفرته لم يجد العاطل وظيفة.. فكيف له ان يجدها عند نضوبه؟!.. وهل فكر أهل النفط ببدائل لموارد النفط قبل أن ينضب..؟

- نتمنى ..