اقتحامات متتالية نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي على عدة مدن بالضفة الغربية خلال الأيام الماضية بلغت بالتوتر إلى ذروة غير مسبوقة، ما بات يوحي بأن الأوضاع في المناطق الفلسطينية تسير نحو انفجار قريب إن لم نقل انتفاضة ثالثة، خاصة بعد استشهاد 50 فلسطينيا منذ بداية العام الجاري، بينهم 4 برصاص المستوطنين، و12 طفلا وسيدة مسنة، وأسير في سجون الاحتلال، في أكثر الشهور دموية بالضفة الغربية منذ عام 2015، وهي حصيلة إصرار حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي المتطرف على سياسات التصعيد.

ومع تصاعد حدة التوتر خلال الفترة الأخيرة، يشعر الفلسطينيون بحجم الخطر المتصاعد من قبل الاحتلال وحكومته المتطرفة من جيش ومستوطنين، خاصة انهم يعلمون جيدا أن هذه الأخيرة تسعى إلى الذهاب بخطوات أبعد من سابقاتها لإنهاء الحق الفلسطيني، عبر توسيع الاستيطان والاستيلاء على الأراضي.

وعبر قانون العقاب الجماعي الذي أقره "الكنيست" الإسرائيلي والذي يعطي وزير الداخلية صلاحية طرد عائلات مقدسية من مدينة القدس تحت ذرائع ومزاعم أمنية، تصاعدت حدة التوتر في القدس المحتلة مما أدى إلى إعلان عصيان مدني شامل في المدينة الأحد الماضي، تخلله إغلاق لأغلب الطرق الرئيسة لتندلع بعدها مواجهات عنيفة بين الشباب الفلسطيني وجنود الاحتلال.

وهو رد فعل طبيعي على الجرائم التي يقوم بها الاحتلال يوميا على أهالي القدس بإيعاز من وزير الامن العنصري الاسرائيلي المتطرف بن غفير، عبر هدم المنازل والاعتداء على المواطنين، ومواصلة المس بالمقدسات وعلى رأسها المسجد الاقصى المبارك وكنيسة القيامة ومواصلة الاستيطان وعمليات القمع على الحواجز العسكرية، عبر حجج واهية، في شكل جديد من اشكال إرهاب الدولة الممنهج الذي أصبحت تمارسه سلطات الاحتلال بصورة علنية، وانتهاكاً غير مسبوق للقانون الدولي الإنساني.

بطش الاحتلال لم يتوقف بل طال الأسرى في السجون والذين يواصلون خطواتهم نحو "عصيان" جماعي ضد إدارة السجون، ردًا على إعلانها البدء بتطبيق الإجراءات التي أوصى المتطرّف بن غفير للتضييق عليهم، وكانت إدارة سجون الاحتلال قد فرضت عقوبات جماعية بحق الأسرى في عدد من المعتقلات، لتتصاعد معها موجة العصيان داخل وخارج السجون.

وفي ظل تفاقم الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتصاعد التحذيرات الغربية من امكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، سيكون عنوانها الأبرز "القدس" وسط تأكيد بأنّ الظروف الحالية مهيّأة لاندلاعها، وسط دوافع حكومة الاحتلال التي تعتبر وتتصرف على أساس أن الفلسطيني الذي لا يخضع بالقوة سيخضع بمزيد من القوة، كأنها لا تعلم أن تشديد الهجمة سيرتد عليها بمزيد من العمليات الفدائية المقاومة، كرد فعل طبيعي على مجريات الأحداث من شعب يسعى لاسترداد أرضه المنهوبة، غير أن العقيدة الإسرائيلية تتعامل مع كل ما هو فلسطيني على أنه "خطر" وهو ما أشار إليه الكاتب ألون بن مئير والذي قال في مقال تحت عنوان "كيف ظلت إسرائيل طريقها" أن "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تربي أجيالا من المحاربين وتسمم عقولهم في الجيش والمدارس"، "لقد تم تلقينهم منذ صغرهم للنظر إلى كل فلسطيني على أنه مشتبه به أو إرهابي محتمل" غير أنها تغاضت عن الأثار التسميم المباشر لعقول شبابها مع نشوء عواقب وخيمة على الدولة على المدى الطويل.

الأوضاع لن تهدأ على المدى القريب في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة، تعمل دون هوادة على استفزاز الفلسطينيين وتتجاوز كل الخطوط الحمراء، بدءاً من قدسية المسجد الأقصى ومدينة القدس، والأسرى في السجون، والتشدّد تجاه فلسطينيي الداخل، وإذا ما تم الاستمرار في سياسة الاستيطان والعقوبات الجماعية المفروضة على الشعب الفلسطيني على دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية تحمل النتائج الوخيمة، فالعنف لا يقابله سوى العنف.