عند التفكير في الفرق بين أطفال غزة عن باقي أطفال العالم، نجد أن الفرق كبير جدا لدرجة لا يمكن تلخيصه في بضعة أسطر، فهي قصة حياة تبدأ بالمعاناة منذ اليوم الأول، فأطفال غزة يتعلمون كيف يعيشون الحياة التي تسرق منهم تفاصيلها منذ نعومة اضافرهم، ليكبروا وتكبر معهم معاناتهم، لكن تكبر معه أيضاً عزيمتهم وقدرتهم على تحمل الصعاب، بداية من الحصار الخانق إلى الفقر وصولا إلى المرض، وبحديثنا عن المرض فالأمر يختلف كثيرا في قطاع غزة، وكيف لو كان المرض سرطانا ينهش أجسادهم النحيلة، فمعاناة ضحايا هذا المرض مختلفة هناك نظرا للظروف الخاصة التي يمر بها القطاع.

رحلة علاج اطفال غزة المصابين بالسرطان أشبه برحلة معاناة طويلة الأمد، تؤدي لموت المريض آلف مرة في كل يوم، يتوقف خلالها عبر محطات انتظار عديدة، حيث يتعين على المريض أنّ ينتظر جرعات الأدوية هذا إن حالفه الحظ لتلقيها، أو التشخيص المناسب بفعل نقص المعدات الطبية اللازمة، ناهيك عن التحويلات الطبية التي نيالها المريض بشق الأنفس وقد يسبقه القدر قبل أن ينالها.

المنظومة الصحية في القطاع المحاصر لأكثر من 16 عاما تعاني من فجوات في الرعاية الصحية لمرضى السرطان منها الكشف المبكر والخدمات التشخيصية والعلاجات الإشعاعية والكيماوية، على الرغم من تكرار المناشدات الفلسطينية للمجتمع الدولي لمضاعفة الخدمات الصحية لمرضى هذا البلاء داخل القطاع لكنها لم تجد أذان صاغية فلا أحد يكترث لمعاناتهم.

ومع هذا الواقع الصحي المتدهور في قطاع غزة يوجد 350 طفلً مصاب بالسرطان يواجهون صعوبات بالعلاج جرّاء الحصار الإسرائيلي، وفقا لما أكده المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وفي الحقيقة هذه الإحصائية ليست مجرد رقم، فهي تعني أن 350 روح تعاني في صمت من أوضاع كارثية جرّاء النقص المزمن في الأدوية والبروتوكولات العلاجية، وتتخبط في جسد انهكه المرض وضاقت به الطرق في حصار خانق يمنعه من الخروج لتلقى العلاج.

قد تكون الكلمات غير كافية للتعبير عن حجم الألم الجسدي والنفسي الذي يصارعه مرضى السرطان في غزة وخاصة الأطفال، ففكرة المرض نفسها تسبب حالة من الضغط والارباك النفسي للطفل، فما بالك أن يكون المرض سرطاناً والمصاب طفل يعيش في قطاع محاصر برا وبحرا وجوا، حيث تتضاءل احتمالية العلاج والشفاء بضيق الرقعة الجغرافية، فما إن يتلقى المريض نتيجة تحليله ويتفاجأ بأنه مصاب بالسرطان، لتبدأ قصته مع معاناة من نوع اخر، لتكون بذلك قصة جديدة مع مرض السرطان والتي تضاف إلى آلاف القصص يرويها أصحابها كلما أتيحت لهم الفرصة، لتتعدد بذلك الروايات ويظل الوجع واحداً، يتلخص في الركض وراء العلاج والظفر بفرصة للعيش داخل القطاع المحاصر.

على مدار السنوات الماضية تسبب الحصار المفروض على القطاع وسياسة الاحتلال في حرمان أكثر من 50 % من مرضى غزة من حقوقهم في تلقي العلاج. بالرغم من انها حقوق مشروعة كفلها القانون الدولي ، والمواثيق الإنسانية، والمنظمات الدولية العاملة في الصحة العالمية، إلى جانب ادخال القطاع في أزمة دوائية حادة تعيشها مؤسسات الصحة في غزة بصورة مستمرة، منذ سنوات طويلة.

هكذا إذاً تستمر معاناة أطفال غزة المرضى المضاعفة, فمن ناحية الواقع الذي يتعايشون معه منذ ولادتهم في ظروف صعبة, ومن جهة ثانية ما يتعرض له هؤلاء الأطفال من إرهاب يمارسه الاحتلال الصهيوني بأبشع صوره. فيحرم الطفل الفلسطيني من أبسط الحقوق حتى الحق في الصحة، لتتلخص بذلك حياة الطفل الغزي سواء كان مريض أم لا فالمعاناة تلاحقه من كل صوب وحَدَب.