لا يخفى على أحد حالة الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام وحالته في غزة بشكل خاص حيث يعاني القطاع المحاصر من جانب الاحتلال الإسرائيلي من أزمات اقتصادية مركبة، انعكست بالسلب على أوضاع السكان الذين تتجاوز أعدادهم 2.2 مليون نسمة، إذ لامست معدلات الفقر 70%، في حين وصلت معدلات البطالة إلى 60%.

لا يمكن انكار أن الاوضاع في غزة أسوأ بكثير من تلك التي بالضفة رغم أن الغلاء أصبح متفشيا في المنطقتين وأرهق الفلسطينيين، في ضوء الحالة الاستثنائية التي يشهدها الاقتصاد الفلسطيني وتأثير ذلك على الأوضاع في غزة، وهنا لا بد من التساؤل حول دور الانقسام وممارسات الاحتلال الاسرائيلي في إدخال الاقتصاد الفلسطيني في حالة ركود مستمر، ما انعكس بشكل مباشر على الأوضاع في قطاع غزة، فالاقتصاد الفلسطيني بعد الانقسام وانعزال غزة عن الضفة الغربية ضعف بشكل كبير وأصبع يعتمد على المنح المقدمة من الدول العربية والأوروبية بشكل كبير، ما خلق فجوة مالية حادة دخلت على اثرها السلطة الفلسطينية في أزمة مالية خانقة أدت بشكل او بآخر إلى تقليص نفقاتها من المبالغ المالية التي كانت تخصصها لدعم قطاع غزة، وتفاقمت هذه التحديات في عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن خصم 180 مليون دولار من عائدات المقاصة التي تجمعها نيابةً عن "السلطة الفلسطينية"، بحجة أن هذه الأموال كانت ستُستخدَم لدفع رواتب السجناء الأمنيين الفلسطينيين وعائلاتهم. وتشكل أموال المقاصة النصيب الأكبر من الإيرادات العامة الفلسطينية، وهي إجمالي الضرائب غير المباشرة على السلع والبضائع والخدمات الموردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة من إسرائيل، أو عبر الموانئ والمعابر الخاضعة لسيطرتها.

لم يكن هذا الخصم، الذي يمثّل نحو 4 في المائة من إجمالي صافي الإيرادات الخاصة بـ "السلطة الفلسطينية"، سوى الانتكاسة الأخيرة التي حدثت في إطار أزمة مالية تزداد سوءاً، وسبقها عجز كبير في الميزانية، وانخفاض حاد في الدعم الدولي للموازنة، وعدم القدرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام كاملة في الضفة وغزة.

وعلى الرغم من حالة الاقتصاد المتردية والأزمة المالية التي تتخبط فيها السلطة الفلسطينية إلا أنها استطاعت خلال السنوات الأخيرة الحصول على مخصصات مالية من دول الاتحاد الأوروبي، والتي كان اخرها قبل شهر بمنح هذه الأخير 296 مليون دولار يذهب جزء منها لوكالة الأونروا التي تساعد على إعانة العائلات الغزية المتعففة كما أنها تقتطع منها جزءا اخر لدعم قطاع غزة المحاصر.

وعلى الرغم من هذا الدعم لكنه يبقى غير كاف ولا بد من اتجاه السلطة الفلسطينية إلى دعم منتظم لقطاع غزة ومنه دفع رواتب الموظفين التابعين لها داخل القطاع بشكل منتظم، فمع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية أصبح من الضروري حمل جزء من هذا الوضع عن كاهل الغزيين الذين يعيشون في ظل ظروف قاسية كرسها الانقسام، والذي تسبب بإيجاد الكثير من القوانين والازدواج الضريبي بين غزة والضفة الغربية، كل هذه الرسوم المزدوجة اثقلت كاهل التجار والمواطنين في قطاع غزة على حد سواء فبينما يضطر التاجر للاختلاف القانوني في العديد من القوانين الاقتصادية بين قطاع غزة والضفة الغربية، مما أدى لوجود ظاهرة الازدواج الضريبي، بمعنى دفع الضريبة مرتين، ما أضعف القدرة الشرائية للمواطن الغزي وأدى الى افلاس العديد من التجار ورجال الاعمال.

وأمام هذا الوضع الصعب الذي يعاني منه قطاع غزة المحاصر من الاحتلال والأوضاع المزرية على حد سواء، لا بد من الاتجاه إلى طرق اخرى اكثر فعالية لدعم المؤسسات الصغيرة والناشئة في قطاع غزة مما قد يساهم في دفع الاقتصاد الغزي، وهنا يمكن الإشارة إلى إمكانية دعم الصندوق القومي الفلسطيني للاقتصاد الغزي باعتباره أحد أهم مؤسسات منظمة التحرير والذي يعنى دورها المحوري في دعم نضال الشعب الفلسطيني وصموده في أماكن تواجده الرئيسية، إذ ساهم في إنشاء ودعم وتطوير العديد من الهيئات والأطر المؤسسية الوطنية، وتمكن من الحفاظ على دوره الحيوي في المُنعطفات الخطيرة التي تعرضت فيها منظمة التحرير لحصار مالي محكم، إلى جانب الحصار السياسي، وغزة ليست بمعزل عن هذا الدور باعتبار ان فلسطين جزء واحد والخلاف السياسي لا يعني أن غزة ليست جزءا من المشروع الفلسطيني.

لا يمكن انكار أن الانقسام تسبب في ضرر كبير لقطاع غزة، لكن هذا لا يعني أن نجعله سبباً لكل أزمة، ورغم أن ذلك حقيقة إلا أنه يمكن تقليص الخسائر التي تسببها الاحتلال والانقسام إلى أقل حد سواء، ولا بد من التعايش مع هذه الحالة فبوادر إنهاء الانقسام لم تظهر فلا مؤشرات قريبة لذلك.

ربما سيكون هنالك تفعيل لدور الصندوق القومي الفلسطيني في غزة على اثر مخرجات قمة العقبة التي راهنت على أن الاقتصاد حلقة مهمة تؤدي الى الحفاظ على الهدوء في غزة.