كثيرة هي الأزمات والمشاكل التي تمر بها الجمعيات الخيرية التي تسعى لمساعدة سكان قطاع غزة المحاصر جوا وبرا وبحرا منذ أكثر من 17 سنة، ويتخبط من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، نتجت بشكل مباشر من الحصار الذي كرسه الاحتلال لخنق سكان غزة حتى آخر رمق دون هوادة، وها هو اليوم قرار وزارة الخزانة البريطانية الذي يضع تشديدات جديدة على الجمعيات الخيرية العاملة في المملكة المتحدة التي تقدم أشكال دعم مختلفة لقطاع غزة يزيد من معاناة أهالي القطاع الذي يقع 80% من سكانه تحت خط الفقر دون مصدر دخل معتمدين بذلك على الجمعيات الخيرية وما تقدمه من مساعدات، ليأتي هذا القرار جاء ليعمق أزمات الغزيين أكثر.
قرار الخزانة البريطانية جاء بعد أكثر من سنة على إضافة "حركة حماس" إلى قائمة الإرهاب ومنذ ذلك الوقت أصبح القطاع وفقا لبريطانيا خاضعاً لحكم كيان إرهابي وهي الخطوة التي كانت متوقعة منذ ذلك الحين، ما وضع الجمعيات الخيرية بين كفي عفريت، لكن ذلك لم يمنعها من مواصلة خدماتها وإرسال المساعدات للقطاع المحاصر.
واستنادا على اعتبار أن حركة حماس إرهابية في القانون البريطاني فقد بعثت وزارة مكتب تطبيق العقوبات المالية التابع لوزارة الخزانة، بخطابٍ إلى العديد من الجمعيات الخيرية الناشطة على التراب البريطاني والتي تقدم خدمات ومساعدات لقطاع غزة، حيث طلب المكتب تزويده بمعلومات عن أي مدفوعات من الجمعيات إلى السلطات داخل غزة منذ ديسمبر/كانون الأول 2020، وذلك من أجل مراقبة مستويات الامتثال للوائح العقوبات، ونص الخطاب على أن الجمعيات الخيرية يجب أن تقدم بعض التفاصيل مثل التواريخ والمبالغ المدفوعة بالضبط، وأسماء الأفراد أو المنظمات المستلمة لتلك المدفوعات، مع ملخص يوضح سبب الدفع، وأي مستندات داعمة مثل الفواتير والإيصالات.
القرار جاء في ظروف استثنائية حيث تلقت الجمعيات الخطاب في بداية شهر رمضان، وهو الشهر التي تكثف فيه هذه الأخيرة نشاطاتها نظرا لخصوصية هذا الشهر، ما يعني أن اختيار الوقت لم يكن اعتباطيا، بل كان مخططا له فمثل هذه القرارات تتأخذ لغايات معينة، خاصة أن بريطانيا وعلى مدار السنوات الماضية لم تشدد على عمل الجمعيات الخيرية التي تعمل لصالح قطاع غزة، وهنا لا يمكن إغفال أن قرار الخزانة البريطانية كان مدفوعا بالأساس بتحريضات من اللوبي الصهيوني الذي يحاول غلق كل المنافذ على سكان قطاع غزة من جهة وتقويض جميع المداخل التي من المحتمل أن تستخدمها حماس في إدخال الأموال لقطاع غزة وتجفيف منابع تمويل الحركة.
ومع هذا القرار من المرجح أن يتم إيقاف العديد الجمعيات الخيرية خاصة التي تمتلك بعض التواصل مع حكومة حماس وإداراتها، ويُذكر أن هناك أكثر من 500 جمعية خيرية بريطانية مدرجة -لدى لجنة الجمعيات الخيرية- على أنها تعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن عدد الجمعيات العاملة في غزة أقل بكثير؛ نظراً إلى تحديات العمل داخل القطاع، وذلك منذ حصار إسرائيل له عام 2007.
قرار بريطانيا بتشديد المراقبة على الجمعيات الخيرية لن يكون سوى بداية لسلسلة أخرى من القرارات التي من المرجح أن تتخذها العديد من الدول الأخرى لتقويض المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة عبر الجمعيات الخيرية والمنظمات الغير حكومة التي تعمل على مساعدة الغزيين في مواجهة الحصار والوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري، الذي يتدهور يوما بعد يوم في ظل صمت دولي، هذا الحصار الذي ترفضه كل الأعراف والشرائع والأخلاق والمبادئ الإنسانية جعل حياة الغزيين جحيماً لا يُطاق وانعكس بشكل سلبي وكارثي على كل مناحي الحياة.
كان أحرى بالجهات البريطانية المسؤولة ومفوضية العمل الخيري إعطاء توجيهات واضحة بشأن المساعدات الإنسانية لغزة، وكيفية إدخالها للقطاع وضمان إيصالها لأيدي مستحقيها بدلا من توجيه إشعارات وتشديدات تكرس سياسة العصا لمن عصى، وضمان ألا تُتهم الجمعيات الخيرية العاملة في مجال المساعدات الإنسانية بأن لها صلات بالعمل الإرهابي، فسكان غزة يتلقون اليوم العديد من المساعدات الإغاثية والغذائية من المؤسسات الدولية والجمعيات الخيرية؛ تلك المساعدات تضررت بسبب إغلاق المعابر ومنع وصول القوافل الإغاثية، ومثل هذه السياسات تعمق جراح الغزيين أكثر فأكثر وتجعل وصول المساعدات مستحيلا.
التعليقات