بعد سبعة أشهر على اندلاع الانتفاضة الإيرانية، لا يزال النظام الحاكم عاجزاً عن إعادة المياه إلى قنواتها السابقة. لقد كان مقتل مهسا أميني في أيلول/سبتمبر من العام الماضي على يد دورية الإرشاد شرارة لم يتمكن الملالي حتى من السيطرة على ردود الفعل الاجتماعية الناتجة عنها. وفي ذات السياق، نرى أن الأساليب اللا إنسانية والنازية في تسميم جموع الطالبات ومحاولة إخفائها من قبل السلطات لم تساعد في استعادة سطوة الحكومة، وباختصار، يمكن القول أن سلطة الملالي المطلقة قد تحطمت وتراجعت هيمنتها. ومثل هذا الوضع تسبب في نوع من النشاط الانتهازي المخادع من قبل بعض التيارات في مجتمع الإيرانيين المنفيين.
إن التحركات في ظل غياب الخطة الواضحة والدعم السياسي الشعبي، تصب في صالح النظام الحاكم وتطيل عمره، بدلاً من مساعدة المعارضة على الإطاحة به. من بين هذه الأنشطة، يجب أن نذكر زيارة ابن الشاه السابق لإسرائيل، ومعروفٌ أن هذا الشخص لم يقدم أية خطة لمستقبل إيران في مرحلة ما بعد الملالي، والأهم من ذلك، لم يقدم أية خطة للإطاحة بحكومتهم، اعتقادًا منه أن اجتماعًا أو زيارة عبر الوساطة يمكن أن تعوض هذه النواقص الحيوية، من خلال قبول حتى الفصل بين المجموعة المحدودة، والذهاب في رحلة أسيء استخدامها أولاً وقبل كل شيء من قبل الملالي الحاكمين، وسهلت عليهم قمع الانتفاضة التي نسبها الملالي إلى دول وقوى أجنبية. هذا النهج هو على نفس السكة التي تعامل بها النظام مع القضية الفلسطينية، والتي ألحقت أكبر قدر من الضرر بقضية الشعب الفلسطيني من خلال شعارات فارغة تتحدث عن تحرير القدس عبر كربلاء أو تقوية الحركات الأصولية وإحداث الانقسام. ويأتي تحرك نجل الشاه المخلوع في صالح النظام الإيراني وضد الانتفاضة والسلام والشعب الفلسطيني، لقد أضر هذا العمل الدراماتيكي بمشاعر المسلمين في أوروبا، في حين أن المعارضة الإيرانية أوضحت على مر السنين دور الملالي المعادي للإسلام ورسمت الحدود بين المسلمين الحقيقيين في إيران وحكومتهم. لقد سعت المقاومة الإيرانية إلى جعل المجتمع المسلم الأوروبي ينأى بنفسه عن الأعمال الرجعية والمتخلفة للملالي، فمثل هذه العروض يمكن أن تدفعهم نحو الرجعية والتطرف.
إن الطريقة العملية والشرعية للتعامل مع القضية الحساسة في المنطقة هي التحرك في إطار الحكومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ومحمود عباس نفسه. وفي هذا السياق، أكدت المعارضة والمقاومة الإيرانية ذلك منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، وهنأت الأطراف الثلاثة، وهي الشعب الفلسطيني وياسر عرفات، وحكومة وشعب إسرائيل، والرئيس كلينتون، الرئيس الأمريكي آنذاك. الطريقة الصحيحة للتحرك هي في إطار هذه الاتفاقية التاريخية التي عقدت بواشنطن عام 1993 لحل هذه المشكلة التاريخية. وهي طريقة العمل التي هوجمت منذ اليوم الأول من قبل الملالي الحاكمين لإيران وما زالت موضع هجومهم قبل أية طريقة أخرى. قبل أسابيع قليلة، هاجم خامنئي الراحل ياسر عرفات بسبب سياسته السلمية الشعبية. وبصرف النظر عن المقاربة مع إسرائيل في توجهات ومواقف نجل الشاه، والتي لا تساوي الكثير وهي دعاية سرعان ما تُنسى، فإن القضية الأهم التي شوهت مصداقيتها في أوساط المعارضة هي توجهه الفاشي والقمعي لقضية القوميات في إيران. وبالنظر إلى المشاركة النشطة لكردستان وبلوشستان الإيرانية في الانتفاضة الحالية، فقد أصبحت هذه القضية أكثر وضوحاً ومصداقية. في الأسبوع الماضي، بعد زيارته لإسرائيل، انتقد مولانا محمد حسين کرکیج، وهو رجل دين سني بلوشي يخضع أيضًا للتحقيق بسبب تصريحاته ضد نظام الملالي، نجل الشاه لمناوراته التي لا معنى لها. وبينما كان يستذكر "القمع والطريقة التي تعامل بها رضا شاه (جد رضا بهلوي) مع البلوش" قال: "اسمك أيضًا رضا شاه، لم ننس ذلك الظلم... لم تكبر هنا على الإطلاق، وإلا كيف يمكنك تعيين المهام لنا؟" إن كون مثل هذه المناورات لصالح الملالي الحاكمين هو أمر تفهمه جميع الأطراف المهتمة بقضية إيران. ومن أهم رسائل انتفاضة الشعب الإيراني التي تكررت منذ اليوم الأول في أيلول/ سبتمبر وحتى أمس الجمعة في زاهدان شعار "الموت للظالم سواء كان الشاه أو المرشد" والذي هو الفصل الحاسم بين المنتفضين والنظام، ويُظهر الملالي ونظام الشاه المخلوع على حقيقتهم. إن البحث عن بديل لنظام الملالي بين فلول الشاه هو مجرد فكرة عبثية لا تؤدي الى أية نتيجة، فشعب إيران لا يتقبل ابن الشاه، والتاريخ لا يعود للوراء، وحقيقة أن أحفاد لويس السادس عشر في فرنسا، وأحفاد القيصر في روسيا وبقايا السلالات السابقة لنظام الشاه في إيران يشعرون بالحنين الى السلطة ويحلمون بالعودة إلى الحكم لا يعني أن لديهم فرصة للقيام بذلك. ومن الأمثلة الأخرى المثيرة للاهتمام عدم مبالاة الأُسر الملكيّة في العراق وأفغانستان بالجهود الأمريكية لإعادتهم إلى النظام الملكي، بينما في هذين البلدين، على عكس إيران، لم تتم الإطاحة بالنظام الملكي من خلال ثورة بل عن طريق الانقلاب، أي أنهم ظاهرياً قد يمتلكون بعض الشرعية بخلاف نجل شاه إيران المخلوع. إن المزايدات السياسية على رفات الشاه لا تخدم إلا مصالح الملالي وتطيل مدة بقائهم في سدة الحكم، وتترك صورة سيئة للغاية عن الأطراف الأجنبية التي تحاول القيام بذلك بين أبناء الشعب الإيراني. وللحديث بقية.
التعليقات