لقطاع غزة وضع ملتبس ومعقد ويعيش مشاكل غير مسبوقة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا جراء الحروب المتلاحقة، التي دفعت بالعديد من الشباب داخل القطاع بإلقاء أنفسهم في مراكب البحر إلى تركيا ثم إلى أوروبا، بحثا عن حياة جيدة في الخارج، لكن غالبا ما ينتهي بهم الوضع غرقى في البحر، في وقت تغادر فيه قادة حركة حماس، بكل أريحية حيث يجدون سهولة في السفر للخارج والعيش حياة مترفة ويقيمون في فنادق فاخرة بين بيروت وإسطنبول.

ومع تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية داخل القطاع بات المزيد من قادة حماس يقيمون في الخارج بعيدا عن الوضع المتدهور، فلا يخفى على أحد أن أغلب قادة الحركة يقيمون في مباني مرفهة في بيروت والصحوة وإسطنبول، الأمر الذي أصبح يثير غضب سكان قطاع غزة الذين يرون أن قادة الحركة باتوا يلجؤون إلى الحياة المترفة، بينما يتدهور الاقتصاد في القطاع ويجد أكثر من ٢ مليون شخص نفسهم في وضع قاسي، وضحية لتصاعد الصراعات، مع الحروب المتتالية مع إسرائيل، والتي لا تجلب سوى الخسائر والتدمير والمزيد من الانعزال.

وخلال السنوات القليلة الماضية توالت خرجات قادة حماس حيث أصبح قائد الحركة إسماعيل هنية يقيم في قطر مع أولاده وزوجته، بينما فتحي حماد، أحد كبار القادة السياسيين، فقد انتقل للعيش في اسطنبول منذ مدة، ويتنقل في الفنادق الفارهة في بيروت. علاوة على ذلك، فنائب رئيس الحركة، خليل الحية يقيم منذ مدة في تركيا، وفقا لبيانات صادرة من حماس نفسها، بينما لم يجر سوى زيارتين قصيرتين إلى غزة، كما انتقل المتحدث السابق لحكومة حماس طاهر نونو، والزعيم السيسي إبراهيم صالح، إلى الدوحة، مع العشرات من القيادات الأخرى.

لم يكن انتقال قادة حماس لخارج غزة الحقيقة الأبرز بل الرفاهية التي يعيش فيها أبناؤهم حيث يقودون مشاريع معمارية لصالح آبائهم في إسطنبول، ما خلق فجوة بين الطبقة الحاكمة وعامة الناس الذين يعانون من كافة الآفات الاجتماعية، مما دفعهم لتشكيل صورة نمطية عن حماس، فمع كل حادث غرق لمهاجرين من قطاع غزة يعود هذا الغضب إلى الواجهة، وعدا عن هذا فإن جزءا مما يؤجج مرارة الغزيين، هو السلوك المتفاخر لقادة حماس. في وقت تفرض فيه هذه الأخيرة ضرائب مرتفعة، تاركة سكان غزة في فقر مدقع، كيف لا وابن هنية أصبح معروفا على نطاق واسع داخل الأوساط الغزية باسم "أبو العقارات" بسبب حيازته عقارات واسعة النطاق تمكن منها بفضل نفوذ والده.

ومع ذلك لا يقيم أغلب أبناء قادة حماس داخل قطاع غزة لعدة اعتبارات لعل أبرزها الهواجس الأمنية فلا يخفى على أحد أنهم مستهدفون من طرف طائرات الاحتلال، حيث دعا صحافي إسرائيلي بارز في الأمن الإسرائيلي إلى أسر أبناء قادة «حماس» لاستخدامهم كورقة ضغط على الحركة، لإطلاق سراح جنود ومدنيين إسرائيليين تحتجزهم حماس. وأيد تسفي يحزكالي، معلق الشؤون العربية في «القناة 13» للتلفزيون الإسرائيلي الموقف، قائلاً في حديث إذاعي: «إن إسرائيل لا تفعل ما يكفي، وهي لم تحاول حتى خطف أبناء كبار مسؤولي حماس»، وهنا لا بد من القول أن مثل هذه التصريحات تأجج خطاب العنف ومن المنطقي أن تعيش عائلات قادة حماس خارج غزة لكن هذا لا يعزي الترف الذي تعيش فيه.

منطقيا لا يمكن لأي شخص لا يعيش ضمن بيئة معينة أن يفهم حقيقة الوضع الذي يعيش فيه سكانها وهذا ما ينطبق تماما على غزة، فسلطة القطاع لا تعيش نفس الظروف مع الغزيين ولا تتقاسم معهم أوجاعهم، ما يجعلها عاجزة عن تحقيق أي تقدم في تسييرها للقطاع الذي يأوي مئات من الأسر التي تعيش حياة صعبة بها الكثير من العناء والشقاء كيف لا وهناك من يحتمون داخل «بيوت من الصفيح» أقاموها بجوار منازلهم التي هدمها العدوان الإسرائيلي الأخير فيما تقاسي أخرى من الفقر وتفشي البطالة إلى معدات قياسية، وبين كل هذا لايزال الغزيون يحلمون بحياة أقل ما يقال عنها أنها طبيعية، لا يضطرون فيها لعيش جولات قصف كل مرة.