في العراق بين السياسة والإقتصاد شعرة واحدة وكأنك ترى التناسب الطردي في كفتّي الميزان، فعندما يتصاعد صراخ السياسة يرتفع معه لهيب الدولار الجامح.

السياسة والاقتصاد في العراق على شفا جرف قد ينهار بصاحبه في أي وقت، هي الوسيلة التي تكون أحياناً أهم من الغاية.

الهزات الإرتدادية على الاقتصاد العراقي التي أحدثتها العقوبات الأمريكية على أربعة عشر مصرفاً عراقياً وقبلها بأسابيع كانت العقوبات على أربعة مصارف مرتبطة بعمليات غسيل أموال وتهريب الدولار، توحي أن واشنطن ماضية إلى فرض الوصاية على الاقتصاد العراقي من خلال عقوبات قد تشمل مصارف أخرى في قادم الأيام وهذا ما أدى إلى تصاعد الطلب على الدولار في الأسواق المحلية وإرتفاع سعره.

يبدو أن الحكومة العراقية عاجزة عن كبح جماح إرتفاع سعر الدولار من خلال قرارات ترقيعية وليست واقعية ترتقي بحجم الكارثة في إنهيار العملة العراقية.

التوقعات تشير إلى نيّة البنك المركزي العراقي بإتجاه طباعة العملة العراقية بحجة نقص السيولة النقدية وهو ما يزيد من حجم الإرتداد العنيف للواقع الاقتصادي العراقي المرتبك أصلاً بفعل الفوضى والإرباك السياسي.

طباعة العملة ستُحدث إنهياراً جديداً للدينار العراقي خصوصاً وإن تجارب طباعة عملة الدينار لا تغيب عن مخيلة أغلب العراقيين الذين عاصروا سنوات الحصار عندما كان النظام السابق يخصص مطابع خاصة لطبع الدينار إزداد مع طباعته التضخم إلى معدلات قياسية بحيث كان وزن الكتلة النقدية هو الذي يحدد السعر في التعاملات التجارية.

في مقال سابق أشرنا للإنتقام الأمريكي القادم من قضية النفط العراقي مقابل الغاز الإيراني، فأمريكا وإن كان يلفها الصمت من هذا الإتفاق إلا أن بوادر التلميحات كانت تعلن الرفض المبطّن لذلك الإتفاق بدليل ضبابية ذلك الإتفاق الذي وِقّع بين عناوين وظيفية لا تمثل ثقلاً سيادياً لبلدين، حيث وقع عن الجانب العراقي إحسان العوادي مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي ومحمد كاظم سفيرها في العراق عن الجانب الإيراني.

إستقراء الواقع الاإقتصادي من خلال تأخر إصدار تعليمات تنفيذ الموازنة رغم مرور أسابيع على إقرارها يؤكد حجم المأزق الذي يترنح به الاقتصاد العراقي.

بين السياسة والاقتصاد خيط رفيع بإستطاعة واشنطن قطعه في لحظة تشاء عن العراقيين الذين إرتهنوا واقعهم السياسي والاقتصادي مجتمعاً في سلة واحدة.

تعلمنا من تجاربنا نحن عراقيو الداخل مع أمريكا حقيقة العمل البطيء والهادئ بإنتظار النتائج.

هي النيران الصديقة التي تصوبها أمريكا بإتجاه العراقيين لكن المصيبة أن البعض ممن يديرون السلطة مُستلذ بعذابات شعبه وكأنه مستمتع بما يحدث للجياع في بلده، فلا زال تهريب الدولار مستمراً حيث تُستحدث طرق جديدة في تهريبه والعجز عن مكافحته، مما يؤكد أن القادم من الأسوء ينتظر دوره في حياة العراقيين، هي السيادة بأعلى مراتبها التي يتحدثون عنها ساسة العراق الجديد.