منذ بداية هذا العام، عموما والسنة الايرانية الجديدة في 21 مارس 2023، هناك تحرك ونشاطا غير مسبوق من قبل النظام الايراني يجري السعي من خلاله الإيحاء للشعب الايراني بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام، من إن الاوضاع في هذا البلد الذي يعاني الامرين منذ 44 عاما من جراء الحكم الدكتاتوري السائد، مقبلة على تغيير كبير وإن الاوضاع سيطرأ عليها تغيير نوعي في مختلف المجالات، ويمكن القول بأن أول الغيث لهذا المسعى كان خطاب خامنئي بمناسبة العام الايراني الجديد والذي ركز فيه على الجانب الاقتصادي ورفع مستوى الجانب، حيث مهد لهذا المسعى.

هذا المسعى الجديد وبعد مرور قرابة 4 أشهر عليه، فإن هناك حقائق تتمخض وتتداعى عنه لعل من أهمها، إن الاوضاع الاقتصادية قد ساءت أكثر من السابق وهو ما يدل على إن أي تغيير إيجابي لم يطرأ على الاوضاع وإن الحالة السلبية لازالت طاغية على الاقتصاد الايراني وهي تتفاقم يوما بعد يوم.

الحقيقة الاخرى المتمخضة عن المسعى"التغييري" للنظام هو تراجع أو تخفيف النبرة العدائية والحماسية للنظام تجاه الاعداء الخارجيين وبشكل خاص الولايات المتحدة الامريكية أو "الشيطان الاكبر" بحسب أدبيات النظام، بل وحتى إن النظام لا يكف عن إرسال الرسائل بطرق وأساليب مختلفة لدول المنطقة والعالم بشأن نيته عن فتح صفحة جديدة مع بلدان المنطقة والعالم مبنية على التعاون المشترك والاستفادة المتبادلة، وهذا يشمل اللقاءات المباشرة وغير المباشرة مع البلدان الغربية وبشكل خاص الولايات المتحدة الامريكية.

الحقيقة الاهم والاكثر لفتا للنظر، تجلت وتتجلى في التركيز المكثف وغير العادي على "العدو الداخلي"، خصوصا وإن النظام قد أقدم على خطوات عملية بهذا الاتجاه تجلت في تكثيف ممارساته القمعية بصورة بات من الصعب إخفائها والتغطية عليها خصوصا بعد عودة دوريات الارشاد سيئة الصيت للعمل مجددا بناءا على توجيها من رئيس الجمهورية، كما أكدت وسائل الاعلام الايرانية وقبلها الخطوات التي أقدم عليها النظام من أجل تطويق المعارضة الايرانية النشيطة المتواجدة في ألبانيا وفرنسا، وهنا لا بد من الاخذ بنظر الاعتبار إن النظام قد تخلى عن مزاعمه بمواجهة العدو الخارجي وجعل كل همه بل وعلى رأس أولوياته مواجهة "العدو الداخلي"، ولاشك إن العدو الداخلي الذي يقصده هنا هو الرافضين له والذي يشاركون في الاحتجاجات والانتفاضات المندلعة ضده (وهم يشكلون كما نعرف أكثرية الشعب الايراني لأنهم الفقراء والمحرومون)، كما إنه قصد ويقصد وكما هو معروف لكل متابع للشأن والاوضاع في إيران، منظمة مجاهدي خلق.

السٶال الذي لا بد من طرحه هنا هو: لماذا هذا التغيير الملفت للنظر بل وحتى الاستثنائي في اسلوب وطريقة تعاطي النظام مع الاوضاع السائدة وتفرغه لـ "العدو الداخلي"؟ مٶكد وواضح لأنه يعلم بأن ما جرى ويجري بعد الاحتجاجات الشعبية الواسعة الاخيرة التي دامت لأشهر وما تزامن معها من تزايد دور وتأثير مجاهدي خلق على مسار الامور والاوضاع في داخل إيران قد تجاوز كل الخطوط التي كان يعتقدها ويتصورها النظام، فقد وصل الى الخط الاخير والذي لا يوجد من خط بعده، ولذلك فإن النظام ومن أجل تدارك الاوضاع والامور وعدم السماح بمضيها نحو الأسوأ بما يجعله أثرا بعد عين، فإنه يبذل آخر مسعى له من أجل ضمان بقائه وإستمراره، لكن السٶال الاهم من الذي طرحناه هو: هل سينجح في ذلك؟ التأريخ سبق وإن أجاب على هكذا سٶال خصوصا عندما تفرغ جعب النظام الدكتاتورية من الخيارات كما هو الحال مع هذا النظام!