كان حدث توسيع مجموعة بريكس الحدث الأبرز الذي تصدر عناوين الصحف الالكترونية في العالم العربي وغطى على المستجدات الأخرى من حيث حجم متابعة التغطية الاعلامية المواكبة لاجتماع جوهانسبورغ، خاصة وأن الأمر يتعلق بقبول عضوية ٣ دول عربية وإخفاق ٤ أخرى، لقد نجح "بريكس" في أن يكون مادة دسمة في حديث المقاهي ومنشورات السوشيال ميديا وكأن الأمر يتعلق بتصفيات كأس العالم أو برنامج من برامج المواهب الغنائية والاستعراضية.

ربما كان الحدث مجرد زوبعة في فنجان في فلسطين ذلك لأن طلب العضوية بالنسبة للفلسطينيين لا يعدو كونه طلبا رمزيا يأتي من سلطة محاصرة جوا وبرا وبحرا ومكبلة بـ "بروتوكول باريس" ليس بإمكانها أن تمارس حق السيادة حتى على مطارها الوحيد، ولا يمكنها أن تقدم إضافة لـ "بريكس" يتوسع لغايات اقتصادية لا سياسية، وحتى وان تضمن بيان قمته الختامي بعضا من كلام قمم العرب الذي عهدناه عن فلسطين الا أن هذا كله اندرج ضمن خانة ما يسمى بالمصطلح الشعبي "حكي فاضي".

صدم "بريكس" عامة الجزائريين وحرمهم من شحنة معنوية كانت سترفع من آمالهم المعلقة في السير نحو نهج اقتصادي جديد يحرر البلاد من ثقافة الريع، كانت الصدمة بحجم النفخ الاعلامي الذي صاحب ملف الترشح للعضوية والذي بدل أن يقدم قراءات اقتصادية واقعية تجعل من مسألة الانضمام وعدمه مسألة خاضعة أيضا لمنطق الأرقام، أعطى الأولوية لقراءات خاطئة جاءت مبنية فقط على فكرة الصداقات والتحالفات التاريخية، ذهب البعض للبحث عن تفسير مقنع يشرح قبول مصر المثقلة بالديون وايران المحاصرة بالعقوبات فيما ذهب البعض الآخر لتأويل كلام لافروف والبحث في فرضيات وجود طرف معرقل أو رافض.

أسهم الاتفاق السعودي الايراني الذي رعته الصين عن كثب لتمهيد الطريق نحو توسع استراتيجي لـ "بريكس" ليحقق هذا التقارب وجود إيران والسعودية والامارات في صف واحد، وهو ما أضاف بدوره لرصيد المجموعة شركاء جدد يمتلكون ما يزيد عن 10% من اجمالي الناتج العالمي للغاز وأزيد من 28 مليون برميل نفط على أساس سنوي، وهو ما يعني أن ديبلوماسية الصين الناعمة في الخليج قد حققت ضربة موجعة للولايات المتحدة بعد أن تمكنت من جمع نقيضين في وعاء واحد وفي صالح "بريكس" ليضيف لها ثقلا ضخما في موازين الطاقة العالمية.

لا يخفى أن وجود دولة الإمارات قد مكسبا جيوستراتيجيا واقتصاديا هاما لمجموعة "بريكس" اذ تستحوذ هذه الدولة صغيرة المساحة على شبكة موانئ في 40 دولة وعبر القارات الست، أبرزها في قلب المنافذ البحرية التي تعتبر شريان التجارة العالمية، الى جانب كل خصائص الإمارات الاقتصادية فقد استقطبت في الآونة الأخيرة حركة أموال ضخمة من رجال الأعمال الروس وحصصا معتبرة من عائدات إعادة بيع النفط الروسي مستفيدة من سلسلة العقوبات المفروضة على روسيا جراء الحرب في أوكرانيا.

رغم المتاعب الاقتصادية التي تتخبط فيها مصر والتي زادت نتيجة لتداعيات الحرب في أوكرانيا الا أن ضمها لـ "بريكس" لم يكن خاليا من المكاسب الجيوستراتيجية لما يقدمه موقعها الجغرافي من إضافة، فهي العصب الرابط بين قارتي أسيا وأفريقيا والذي من خلاله يمر هامش كبير من حركة التجارة الدولية، وهي مشروع لمركز إقليمي لتداول الغاز الطبيعي من الشرق الأوسط الى أوروبا وهي حلقة الوصل الهامة في طريق الحرير الصيني، فضلا عن أنها ستكون أرض الفرص الواعدة بالاستثمارات بعد أن قررت الحكومة المصرية بيع حصص في 32 شركة للمستثمر استراتيجي ، بما في ذلك شركتان مملوكتان للجيش وثلاثة بنوك بحلول نهاية مارس 2024، ومن المؤكد أن هذا المستثمر الاستراتيجي لن يكون من خارج منظمة "بريكس".

بانضمام الأرجنتين وضعت "بريكس" يدها على مضيق ماجلان الأرجنتيني الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ، هذا المضيق الذي يربط بين خمسة بلدان في أمريكا الجنوبية، والذي من خلاله 75% من حركة التجارة الخارجية للأرجنتين، سيسهل الوصول إلى سوق إقليمية تضم أكثر من 240 مليون شخص تقريبًا، وبانضمام اثيوبيا كافأت الصين شريكها الأفريقي الواعد وتوجت معها ميلاد علاقة جديدة تحت مظلة "بريكس" ستفتح لها الباب واسعا نحو زحف أوسع داخل أفريقيا عبر طريق الحرير وعبر توسيع نطاق استثماراتها في بيئة اقتصادية إثيوبية توفر كل فرص النجاح خاصة وأنها تزخر بموارد مادية وبشرية هائلة.

كانت خطة توسيع "بريكس" مبنية على أسس اقتصادية بحثة، حتى وان راعت فيها الجانب الجيوستراتيجي لما له من تقاطع مباشر مع لغة الاقتصاد، لهذا سقطت الحسابات السياسية أمام واقعية وأهداف المنظمة التي أراد قادتها أن يصوبوا اتجاه منظمتهم نحو تحدياتهم الاقتصادية دون الالتفات الى غايات أخرى قد تجعل منها نسخة جديدة من حركة عدم الانحياز، لهذا وبعيدا عن أي مغالطات أو تأويلات فإن "بريكس" قد فتحت بابها لمن يقدم الاضافة المرجوة، دون أن يعني التقليل من قيمة أو وزن الأعضاء الذين فشلوا في الظفر بمقعد اضافي فيها، لكنها في نفس الوقت قدمت لهم حكمة عميقة المعني وهي أن لا تضع العربة أمام الحصان.