لن يُسقط الأمريكان أي صنم ولن يُنزِلوا أي بعير من على التل
لتكتمل الصورة بما يكفي لقراءة الحدث على صفيح سوريا والعراق الملتهب أيضا بما يكفي للوقوف على حقيقة الواقع القائم في كلا الدولتين المتهالكتين حد التهديد بالتفكك والزوال، والصورة في كلا البلدين واحدة وإن تأخر الحدث في سوريا بضع سنين عما سبقه في العراق، والمطلوب من الرسام رسم الصورة بما يؤدي الأمر إلى شكلين أحلاهما بائس لا وجود فيه لمنطق الدولة ويعلوه منطق الجماعات والفئات المتسلطة على الشعب بقوة السلاح وسطوة الفساد واستغلال وتقاسم المال العام كما هو قائمٌ اليوم بالعراق الذي تفضل الجماعات الحاكمة ومن ورائها بقاء حاله على ما هو عليه، وكذلك يرغب النظام السوري في بقاء الحال كما هو عليه ميليشيات شيعية وكردية وعلوية موالية لإيران تدعمه، ووجود روسي يدعمه، ووجود أمريكي لا يريد الإطاحة به بل أيضاً يريد بقاء الحال كما هو عليه، ووجود تركي لا يريد اسقاطه لكنه يهدد بقاء جماعات حزب العمال الكردستاني التركي الموالي لإيران ونظام الأسد وتكافحه تركيا في العراق وسوريا حفاظا على سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها الواقعة تحت التهديد القائم بسبب فقدان السيادة ومفهوم الدولة في كلا الدولتين العراق وسوريا، وفي كل الأحوال فإن مصلحة شعوبنا في العراق لا تعني أي من هذه الدول سواء كانت تركيا أو أمريكا أو نظام الملالي وأذرعه بقدر ما تعنيهم مخططاتهم التي تتطلب بعض الاستعراضات والإطلاقات النارية في الهواء، والمؤسف المؤلم المُضحِك في نفس الوقت أن كلا السلطتين البائستين في العراق وسوريا تتحدثان عن السيادة على استحياء خشية أن يُغضبا هذا وذاك الطرف لكنهما عندما يتعلق الأمر بتركيا فأنهما يتحدثان بوقاحة بليغة وجرأة نادرة مؤكد أنها لن تتخطى بعض التصريحات المختلة الفارغة بتعليمات من إيران وغير إيران فلا إيران ولا أميركا ولا جنودهما يرغبون في وجود تركيا عسكريا في العراق وسوريا، ويبدو أن المعترضين على وجود تركيا في العراق لا يعلمون أن وجودها العسكري فيه قائمٌ منذ تسعينيات القرن الماضي ولم تصدر أي اعتراضات على الوجود العسكري والأمني التركي الفاعل في العراق في العشر سنوات الأولى بعد احتلال العراق وإنما بعدما استتبت الأوضاع السياسية والأمنية والإدارية بإرادة دولية للنظام الإيراني والميليشيات الموالية له من كافة العراقيين إلا ما رحم ربي.
من المؤسف اليوم أن يكون الحديث اليوم على سيادة البلدان وكرامة الشعوب على يد أنظمة من إمعات ترعى عصابات إنتاج وترويج المخدرات، وتجارة الأسلحة ومارقة عن كل جميل رشيد، ولا تفقه قولا ولا حديثا ولا تصلح لمواطنة أو عقيدة.
لقد استغلوا عنصر التعددية العرقية والعقائدية في العراق ليجعلوا منه بلداً متفككاً متأزماً بدلا من أن يكون هذا التنوع أساساً لنظامٍ سياسيٍ ديمقراطي حقيقي علماً بأن العراقيين كمجتمع كانوا جميعاً متعايشين متحابين ومواطنين صالحين في بلدهم قبل بدع العملية السياسية الخارقة التي لا علاقة لها على الإطلاق بالسياسة كعلم ونهج وإنما هي عملية سياسية مرسومة مسبقة وجيئ ببعض الدمى الخرقاء فوُضِعت على الكراسي والتقطوا لها بعض الصور وكتبوا تحت كل صورة منصباً حقاً لجماعة بعينها ولا تمثل أي من هذه الجماعات فئاتها وانتماءاتها وإنما تمثل ذاتها ومن وضعها والتقط لها تلك الصورة وأوحى لها بأنها جزءاً من سلطة ديمقراطية فريدة وبالفعل هي فريدة؛ واللغة حمالة أوجه.!
في العراق قد تكون وجهات النظر الغربية متفقة مع نوايا نظام الملالي في إيران وقد يعتبر الملالي هذا التوافق الحاصل بالتراضي حلال شرعاً لطالما يخدم مصالحهم وتوجهاتهم؛ لكن الأمر فيما يتعلق بسوريا حرام شرعاً ذلك لأن حرية الشعب السوري لن تُبقي النظام الحاكم الموالي الطيع بين أيديهم وأيدي ميليشياتهم ولن يلبي طموحاتهم، وأفضل الخيارات لهم ولشركائهم الغربيين هو بقاء الحال في سوريا على ما هو عليه لا دولة ولا سيادة ولا ضوابط، وثلاثة أرباع الشعب السوري مشرداً في المنافي بدول اللجوء ولا داعي لعودتهم، وقد يأتي اليوم الذي يكون فيه حق العودة مطلباً بعيد المنال كما هو حال أشقائنا أبناء فلسطين المحتلة؛ فحق عودة أبناء الشتات في كلا البلدين المغتصبين مُرعبٌ ومُخيفٌ فملايين العائدين قادرين على إحلال حلول لن ترضي الغاصبين وستنتهي بزوالهم.
الحلول في العراق وسوريا ممكنة وممكنة جداً وتبدأ بيسر من طهران بمحو الباطل وإحلال آية الحق وقطع ماء الحياة عن تلك الميليشيات المسلحة فتتلاشى تلقائياً وتتحول من سلطة متنفذة سياسياً وأمنياً وعسكرياً إلى مجرد عصابات مخدرات تتربص بذاتها ثم تضمحل؛ وهنا ستعود لبنان واليمن إلى سابق عهدها وستقر منطق الخليج والشرق الأوسط، وكما أسلفنا فإن كل ذلك ممكنا لو تراجع الغرب عن دعمه لنظام الملالي الحاكم في إيران أو مجرد الإعتراف بحق الشعب الإيراني في الدفاع نفسه في نضاله وثورته من تحقيق حريته وطموحاته؛ لكن الغرب لن يفعل ذلك بدليل السياسات المتناقضة التي يتبعها!!! فتارة يدين في بادىء الأمر استخدام العنف ضد المتظاهرين وقتلهم وسجنهم وتارة يصمت بل ولا يكتفي بالصمت أيضا فيرفض وضع حرس النظام الإيراني على القائمة السوداء، ولم يكتفي بذلك أيضاً فقام بكيل مليارات الدولارات لتكون منقذا للملالي وعثرات لثورة الشعب الإيراني ووسيلة للإمعان في قمعه، واستمراراً لأزمات الشعوب في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها وهو ما يُبقي المنطقة مضطربة بما يخدم مصالح وتوجهات الغرب الذي يرى بأن استمرار الأزمات استمراراً لهيمنته وضماناً لمصالحه وتماشياً مع مخططاته ولطالما نظام الملالي مستعداً للتنفيذ بالنيابة مقابل البقاء في السلطة، وما الضير والضرر في ذلك فليبقى.. هذه هي الصورة وهذا هو الحال وكل من يهدد هذا التوجه وهذه المخططات يكون من المغضوب عليهم وسيجد تهمة الإرهاب جاهزة حاضرة في أي وقت لإلصاقها به وهذا ما قد تخشاه وتتخوف منه قيادة الثورة في إيران؛ ومن الطريف أن يكون من ينقل قنابل لقتل البشر في أوروبا بواسطة دبلوماسييه المُدانين شركاء للأوروبيين في مكافحة الإرهاب، ونقول في أوروبا فقط لأن قتل البشر في الشرق وزعزعة أمن المنطقة مباحٌ وله عوائد جيدة سياسياً واقتصاديا، ويوفر ذلك فرصة عظيمة لصناعة وتجارة السلاح؛ أما القوانين والتشريعات والمواثيق الدولية الرنانة فيمكنها الدخول في غفلة.. عطلة.. قيلولة سمها ما شئت ويمكن استدعائها عند الحاجة والطلب بشكل مدروس.
قطعوا المعونات عن اللاجئين السوريين في الأردن بسبب مواقف سياسية تتعلق بفلسطين وسيادة الأردن على المقدسات الدينية في القدس، وتعالت مطالب الأردن بعدم قدرته على تحمل هذه المسؤولية الدولية بمفرده كدولة مستضيفة، وعندما لا تكون هناك استجابة دولية لدعم ملايين اللاجئين السوريين فإنه من الضروري خلق حلولاً آمنة لهم في سوريا، والضغط والإلحاح على هذا الحل يخلق أزمة للنظام السوري ونظام الملالي وميليشياتهما، وقد يكون الحل لهذه المشكلة مع حزمة من المشاكل والتوترات هو خلق أزمات مضادة تحتوي ما قبلها آنيا، وتلحقها عملية ترويض سياسية هنا وهناك.
من يرى التحركات العسكرية الأمريكية المكثفة داخل العراق وعلى الحدود السورية العراقية وتحركات القطعات البحرية الأمريكية بالغة الأهمية في المنطقة، وكذلك تحركات السفيرة الأمريكية في أمريكا والعراق واجتماعاتها وتحركات القادة العسكريين يقول أن الأمر مرعب وهام وسيتمخض عنه اسقاط نظام الملالي وميليشياته الحاكمة في العراق واسقاط النظام السوري خاصة بعد القراءة والتحليل السطحيين لهذه المعطيات:
زيارة قاءاني للعراق وتحركه بفاعلية على جنوده وعماله في الإطار، ويبدو أنه طالبهم بالتعقل والإكتفاء بالمشروبات الطبيعية.
كذلك خروج ما تسمى بالمرجعية الدينية بالعراق على غير عادتها عن طبعها ونطقها بعد صمت على الكوارث المخزية بما يشابه ما نطقت به في غزو العراق 2003، وهذا يوحي بوجود تكليف بهذا الشأن.. لا تذهبوا بعيدا التكليف غير الشرعي؛ صحيح هي مرجعية دينية كما يُشاع لكن أيضا من حقها أن يكون لها تكليف غير شرعي.
التصعيد بخصوص اللاجئين السوريين، وعودة الانتفاضة الشعبية السورية من جديد متأججةً وعلى نحوٍ أقوى من ذي قبل.
وأحاديث بين المواطنين العراقيين عن تحرك أمريكي لإسقاط منظومة إيران في العراق، وأحاديث في المناطق العراقية الغربية والمتاخمة لسوريا عن مبالغ مالية للمزارعين شرط ألا يزرعوا ولا يشقوا ويُخلون تلك المناطق من أعمالهم وتواجدهم.
السفيرة الأمريكية في بغداد تسافر إلى واشنطن وتعود محملة بالسلاح والقرارات والصلاحيات على الرغم من أنها هي نفسها وممثلة الأمم المتحدة اللتان قد باركتا عودة سلطة الإطار الموالي للملالي إلى سدة الحكم بعد أن وصفتا الإدارة في العراق بالفاسدة واللصوصية وغير المؤهلة، وسواء كان السوداني أو غيره والياً فالأمر لن يغير شيئاً؛ لكن المثير للإستغراب هو هذه التناقضات الجارية والهرولة في الفراغ خارج الحقائق.. فماذا حدث وماذا تغير؛ فهل يعقل أن يكون الأمريكان قد وقعوا في نفس الفخ الذي وقعوا فيه سنة 2003، وفخ مرحلة ما بعد استلام السيادة في العراق حيث تم الإحتيال عليهم بعد أن أنفقوا على الزرع ويحصده الملالي دون مراعاة كاملة لما هو متفق عليه؛ لذا فالحقيقة أنه من الممكن أن تكون هذه التحركات في إطار عملية إعادة الترويض وإعادة المارقين إلى المسار المتفق عليه، وحصد الرؤوس المرتفعة المتعنتة، والقبول ببقاء من يشرب الماء فقط ويخفض رأسه وصوته، وهذا حتما ما أوصى به قاءاني في زيارته وجولته الأخيرة بالعراق.
لن يُسقط الأمريكان أي صنم ولن يُنزِلوا أي بعير من على التل في إيران وسوريا والعراق، ولن يتمخض جبل التحركات في المنطقة عن ولادة فأر بل عن ولادة ريح "..."! وأما عن التساؤل المطروح دائما هل ستبقى سوريا والعراق حطب جهنم؛ ومركز إدارة الصراعات وتصفية الحسابات.. نعم ستبقى حتى يوم يقوم الشعب فيعكرها ثم يشرب صافيها.
كثيرة هي التحركات، وكثيرة هي الزوبعات والمفرقعات الإعلامية وهمسات الطابور الخامس! لكن ماذا يجري في المنطقة، وأين هي الحقيقة؟
وحده الصبر والسعي وعامل الزمن ومقاربة وتفكيك طلاسم الأحداث كفيلٌ بكشف كل غموض في عالم بات اللعب فيه على المكشوف، وباتت فيه التنازلات الأمريكية للروس وعدم الرغبة في مواجهة قطب روسيا والصين واضحة جلية خاصة بعد عدم الإكتراث الأمريكي بالموقف الأوروبي، ولا بأس من محاولة أمريكية قد تُفلِح في استعادة ماء الوجه وضمان بعض المصالح والوجود الكريم بالشرق الأوسط، فلا يمكن الإستهانة بالأمر بعد منظمة شنغهاي ومبادرة طريق الحرير، وقطب البريكس، والوجود الصيني والروسي في أفريقيا، والوجود الصيني الروسي في الشرق الأوسط والخليج.. لكن كل ذلك لن يحمي تلك الأنظمة الرجعية من السقوط فثورة سوريا تتأجج من جديد بمشاركات نوعية في وقت فقد فيه نظام الأسد كل شيء وأصبح كبيت مرهون لبنك ويعتمد على أموال عصابات المخدرات في الحفاظ على هذا البيت المرهون للبنك لطالما هو مقيم فيه، كذلك لن يعود ولن يتراجع الثوار الإيرانيين المنتفضين عما عزموا عليه، وأما في العراق فستأكل الطفيليات ذاتها وتصبح في يوما ذكرى سوء ألمت بدولة من عمق التاريخ وشعب عريق.
التعليقات