قبل ثلاث سنوات، استدعاني مدير المدرسة، وكان قد توفي قبل يومين من ذلك الاستدعاء. وقال لي: "قررنا إغلاق المدرسة، وسننقلك إلى مدرسة مجاورة".
لا أعرف عن أي مدرسة يتحدّث، لكنها مدرسة، وفي الجوار. فكرتُ وأنا أسير في طريقي إلى منزلنا: "ربما لأنني الطالب الوحيد المتبقي في المدرسة، لكن لا بأس".
على الغداء، أخبرتُ أبي، الذي توفي في الأسبوع الأول لولادتي، بما دار من حديث بيني وبين مدير المدرسة، فما كان منه إلا أن حمل بندقيته وتوجه إلى منزل مدير المدرسة.
كان منزله في الجهة المقابلة من الوادي، قطع أبي الوادي وكان يردد قصيدة حماسية لفتتْ إليه كل من كان قد بكّر في الحضور لتقديم واجب العزاء لأسرة المدير المكلومة، وحين بلغ باب المنزل كان الجميع قد وقف مترقباً ما سيحدث، نادى أبي مديرَ المدرسة، وحين خرج أطلق عليه رصاصتين فمات من فوره. لم يمنع موت المدير أبي من قتله أمام الملأ. زوجة المدير، التي ماتت في حمى النفاس قبل عام، احتضنت جسد زوجها ورفعت من وتيرة نحيبها الذي بدأته قبل يومين.

شيخ القرية، المصاب بشلل رباعي منذ سنوات قبل ولادتي، جاء يركض من الجهة الغربية من الوادي، وكان مؤذن القرية الأخرس يصيح ويركض من الجهة الشرقية باتجاه ابي. تقابل الرجلان في وسط الوادي الذي يقطع القرية إلى نصفين، والتفّا حول أبي. لم أسمع حديثهم لكن بعد دقائق جلس أبي وجلس شيخ القرية بجواره وقد أعطيا ظهريهما جهة بيت مدير المدرسة في الناحية الجنوبية، بينما راح مؤذن القرية الأبكم يجمع الحطب وهو يترنم بقصيدة غزلية.
جدتي التي ماتت قبل ولادتي قالت: "لا تقلق، سيسوي والدك الأمر. ستدرس، وسيكون لك مستقبل". نمتُ على حافة النافذة وأنا أتابع مسامرة أبي مع صاحبيه، ثم التحق بهم المعزون، ولحقت بهم زوجة المدير أيضا. نمت بعد ذلك.
في الصباح الباكر طرق المدير باب بيتنا، حين فتحتُ الباب جذبني من يدي، كنا نتوجه نحو المدرسة وهو يحك قلبه، قال: "بالأمس، جاء والدك إلى منزلي وقتلني، لم أتوقع أن يثير أمر نقلك إلى مدرسة مجاورة كل هذا القلق".
حين وصلنا المبنى المدرسي سمعتُ صوت خطوات أخي الذي دهسني بالسيارة قبل شهرين، وشارك في جنازتي، حين التفتُ شاهدتُه حاملاً حقيبةَ كتبه ويأتي من الجهة الشمالية للقرية، كان يتبعنا: هل كان هناك منذ البداية؟!