الإنصاف في الكلام مطلوب منا جميعاً، وليس من العدل تغطية الافعال المشينة والتي يكون ضحيتها أناس أبرياء ترتكب بأسم الدين، هناك أحداث وقعت وتنظيمات إرهابية تورطت بها مطلع القرن الحالي أدت الى جعل الدين الإسلامي هو المتهم الأول وراء هذه الاحداث، ثلاثة أحداث إرهابية كبرى هزت العالم خلال ربع قرن، الحدث الاول تمثل في ضرب برجي التجارة العالمية في نيويورك مما أدى الى مقتل الاف المدنيين الأبرياء من قبل جماعات إرهابية تنتمي الى تنظيم يحمل عنوان الدين الإسلامي وهو تنظيم القاعدة بقيادة اسامة بن لادن الذي قتل لاحقاً على يد وحدة من القوات الخاصة الامريكية وتم تصفيته وتصفية جميع قيادات ذلك التنظيم الإرهابي، ثم ظهر تنظيم إرهابي آخر بعد مرور حوالي اربعة عشر عاماً ليكون هذا التنظيم الإرهابي الجديد أشد قسوة وتنكيلاً وأكثر وحشية ولكن هذه المرة بالمسلمين أنفسهم قبل غيرهم ليثبتوا للعالم أن هذا التنظيم الإرهابي يتغطى بالإسلام ليكون حافزاً قوياً لعناصر التنظيم في إرتكاب الفضائع. التنظيم الجديد والذي سمي بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام او مختصراً (داعش) هذا التنظيم الإرهابي الجديد أحتل أجزاءاً كبيرة من الاراضي السورية والعراقية وقام بأعمال القتل والذبح والإبادة والاعتداء على المدنيين الكورد والعرب وعلى باقي الملل والاديان. بالرغم من تعرض هذا التنظيم لضربات موجعة أدت الى شلله ألا أنه ما زال على قيد الحياة، ولكن المفاجأة أن هذه التنظيمات الإرهابية المسلحة تموت في بقعة أرض فتنتقل بذورها الى بقعة أرض أخرى لتثمر عن تنظيم إرهابي جديد وبأسم جديد، فتولدت عشرات التنظيمات الإرهابية التي تعمل بالعلن وبدون خوف، منها حركة الشباب وبوكا حرام في افريقيا وتنظيمات ومليشيات إرهابية في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، قسم منها تعلن نفسها كحركات مقاومة ولكنها تمارس الإرهاب بالخفاء، الى أن تحين اللحظة التي تكشر بها عن أنيابها لتعلن نفسها بوضوح إنها حركات وتنظيمات إرهابية، مثلما حدث لتنظيم حماس الذي أعاد للأذهان تأريخ التنظيمات الإرهابية السابقة، فقام هذا التنظيم بأفعال إرهابية شنيعة أبتداءاً بذبح الفلسطينين من منظمة التحرير الفلسطينية وإنتهاءاً بذبح المدنيين الإسرائيلين، ولكن ما يميز هذا التنظيم عن غيره من التنظيمات السابقة هو وجود دولة إقليمية كبيرة تدعي أنها الراعي لهذا التنظيم تحت غطاء الاسلام لتحرير فلسطين.

الإعلام العالمي والمجتمعات الاخرى تنقل وتتداول الصور والتصريحات لهؤلاء الإرهابين فيتبين لهم إنها تنظيمات دينية إسلامية تأخذ تعاليمها الإرهابية من النصوص القرآنية ومن السنة النبوية والتراث الإسلامي، تحت تأثير الإعلام أصبح لزاماً على كل إنسان يعيش على كوكب الأرض أن يسلم بأن الدين الإسلامي دين إرهابي. لكن قبل الانسياق وراء هذا الرأي نعود الى مقدمة المقال (الأنصاف مطلوب منا جميعاً) وكلمة جميعاً أقصد بها جميع الامم والملل والديانات والبشر، لذلك مطلوب منا أن نعيد قراءة الواقع قبل الحكم، لأن التشويه والطعن الذي أصاب الإسلام خطير جداً، مما يستدعي ان تجتمع جميع الأمم لمحاربة الاسلام او أن يعيدوا فهم الامور بحقيقتها لكي لا يأتي الظلم على الدين الإسلامي، ومع الإعادة تظهر لنا أربعة متناقضات تبعد الاسلام نهائياً عن هذه التهمة وعن أية شبهة مسيئة، بل وتضع الدين الإسلامي كضحية للإرهاب وليس داعماً للإرهاب. وهذه المتناقضات هي..

أولاً: نسبة المسلمين المقيمين في دول العالم الغربي لا يتجاوزون ال 4% من سكان هذه البلدان وهذه النسبة يجب أن تكون حاضرة في مجالات الحياة كافة، فمثلاً نسبة الاطباء داخل تلك المجتمعات تقترب من 4% من نسبة الاطباء ونسبة اصحاب المال هي نفسها ونسبة المهندسين والعاملين هي نفسها ولكن الأهم من كل ذلك نسبة المجرمين والإرهابين داخل المجتمعات الغربية، المفاجأة أن نسبة المجرمين والإرهابين والقتلة المسلمين في سجون الدول الغربية وأمريكا تحديداً تقترب من الصفر، هذا يدل على أن الإنسان المسلم هو أكثر الناس سلمية ولا يوجد أي أثر للإرهاب في شخصية الإنسان المسلم وهذا ما تؤكده الأرقام على ارض الواقع.

المتناقض الثاني: لو أخذنا نظرة سريعة لدول العالم سنجد المسلمين هم أكثر المجتمعات تعرضاً للإضطهاد والظلم والإرهاب، المسلمون في الصين مضطهدون باعتراف الاعلام العالمي الذي هو نفسه يتهم المسلمين بالإرهاب، مسلموا الروهنجا في ميانمار تعرضوا للإرهاب، مسلموا الهند، الشيشان، البوسنة والهرسك، وغيرهم لم يسلموا من الإرهاب.

المتناقض الثالث: في جميع المجتمعات الإسلامية تجد تجمعات أو مكونات لديانات أخرى ومنها ديانات غير سماوية متعايشين مع المسلمين بأمان وحب وأحترام، وكذلك تجد المسلمين في بعض المجتمعات غير الإسلامية عبارة عن أقلية دينية لا مشاكل لها مع الآخرين، وهذه الحالة ليست وليدة الأمس بل منذ مئات السنين.

المتناقض الرابع: لا يوجد نص واحد أو آية واحدة في القرآن الكريم تدفع الفرد المؤمن الى الإعتداء أو الإساءة للآخرين حتى ولو في القول، ولمن يريد التمعن بالقرآن سيلاحظ ذلك بوضوح.

وأخيراً أود القول بأننا نحن المسلمون أمام ما يجري الآن من ظلم لمسلمي غزة، نرفض رفضاً قاطعاً سلوكيات كل الحكومات والتنظيمات والافراد الذين يستخدمون الدين الإسلامي الحنيف كسبيل لتحقيق غاياتهم الشريرة ونعتبرهم إرهابين بحق الدين الإسلامي قبل أن يكونوا إرهابين بحق الناس ونؤيد بكل قوة المجتمع الدولي الإنساني الذي توحد لمحاربة هؤلاء الإرهابين وهزيمتهم أينما كانوا، لكي يترك هؤلاء الارهابيون الدين الإسلامي يعيش في قلوب الناس بسلام ويتنعم الناس بدينهم بمحبة وسلام.

لقد حان الوقت أن نقتدي بشعوب الأرض ونعزل الدين عن الدولة وعن المصالح والأعمال وعن الرموز العائلية ليبقى الدين عزيزاً في قلوب الناس ولنتخلص من المشاكل الكثيرة التي عصفت بمجتمعاتنا وأبعدته عن ركب الحضارة بسبب تداخل الدين مع السياسة ومع المصالح.