لماذا أقدمت حماس على هجومها الأهوَج في7 أكتوبر؟ هل كان هدفها الإستعراض للحصول على تهليل مجتمعات الوعي القطيعي المحيطة بها؟ بالتأكيد لا، فقد كان بإمكانها فعل ذلك بهجوم أبسط خسائره أقل! هل قامت به لإجراء مقايضة لتحرير أسراها في إسرائيل؟ إذا كان الأمر كذلك فهي صفقة خاسرة، فلا يوجد عاقل يضحي بأرواح آلاف المدنيين، وببنى تحتية بالمليارات، وبإستثمارات بالملايين، ووضعه على رأس قائمة المنظمات الإرهابية، لتحرير بضعة أسرى! ما الذي دفع حماس لرَفع سَقف إستهتارها لدرجة قتل مدنيين، بعد أن كانت تكتفي بإطلاق صاروخ أو قتل جندي؟ ما الذي دفعها للقيام بفعل تعلم أن رد الفعل عليه سيكون مضاعفاً، لِما تمتلكه إسرائيل من سلاح، مقارنة بما لدى حماس مِن لُعَب الأطفال، وبقطاع غزة الذي يعتمد في بُنيته التحتية على إسرائيل!
بالتالي لا بد أن لهذه الهجوم وللحرب التي أُريد لها أن تندلع بسببه، أهداف أبعد مما يبدو للوهلة الأولى، ومما ذُكِره قادة حماس للتسويق الإعلامي، ولدغدغة المشاعر. فتوقيت الهجوم وخلفيته يثيران تساؤلات حول دور وبَصمة إيران. فقد نجح الهجوم بإفشال جهود التطبيع العربي الإسرائيلي، الذي باركته السلطة الفلسطينية، وبدأته الإمارات والبحرين والمغرب، وكان سيتوج بإنضمام السعودية. كما نجح بزَرع الرعب بين سكان إسرائيل وزعزعة الثقة بين شعبها وجيشها! بالنتيجة نجح الهدوم في إفشال أو تعطيل مشروع السلام في الشرق الاوسط، الذي كان يُراد للسعودية أن تقوده، ولإسرائيل أن تكون لاعباً أساسياً فيه، والذي تم تعزيزه إقتصادياً بمَشروع المَمَر الإقتصادي بين الهند ودول الخليج وإسرائيل وأوروبا، وكان سيسحب البساط من تحت أقدام إيران وميليشياتها التي تعتاش على إستمرار أزمات المنطقة، وباتت ورَماً خبيثاً في أحشاء دولها، التي تحولت الى مستعمرات إيرانية يحكُمُها غِلمان خامنئي. هناك بَصمة أخرى قد لا تبدو واضحة، لكنها موجودة، وهي بَصمة روسيا التي إستفادت مِن أزمة غزة لحَرف أنظار العالم عن غزو أوكرانيا وجرائمها فيها، وتحديداً الغرب الذين شغله دَعم إسرائيل عَن دعم أوكرانيا، وليس بعيداً أن تفاوضهم على لعب دور وساطة في حرب غزة، مقابل منحها مكاسب في أوكرانيا!
تأسست حماس عام1987 في ظروف غامضة من الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، كمُعارَضة لحركة فتح التي كانت أكثر إستعداداً للتوصل إلى تسوية مع إسرائيل، والتي كان يرأسها الزعيم الراحل ياسر عرفات. في وثيقتها التأسيسية، حدّدَت حماس القضاء على إسرائيل وإقامة دولة إسلامية مكانها كهدف لها. وللقيام بذلك تُرَوّج لوجود مؤامرة عالمية صهيونية. أما كتائب القسام التي نفّذت الهجوم الأخير، فذراعها العسكري، ومُصَنّفة عالمياً كتنظيم إرهابي. عام 2006 باتت حماس مؤثرة في الإنتخابات الفلسطينية، وبعدها بِعام سيطرت على غزة بعد ما يُشبه الإنقلاب على السلطة الفلسطينية. لذا حَرب غزة وقبلها حرب لبنان 2006، تسبب بها سماسرة موت، ﻻ قيمة عندهم لحياة الآخرين. أُناس أبتُليَت بهم بلدانهم، وتعَوّدوا على المُتاجرة بدماء شعوبها بإسم الدين والقومية، وحتى العَرض، كالحشد الشعبي الذي يُعَيّر العراقيين بحِماية أعراضهم، فبات سَفَلَته يوصَفون بحُماة الأعراض! فهُم فاشلون في البناء، وشُطّار في الهدم والقتل. وحماس جزء من هذه التركيبة الفاسدة، لذا قامت بالعملية تنفيذاً لأجندة خارجية هدفها إشعال المنطقة، لتحقيق أهداف إيران التوسعية، وإطلاق يد روسيا في أوكرانيا. أما أفرادها الذين هبطوا بالمظلات ونفذوا العملية، فكانوا ماريونيتات تحركهم أصابع إيرانية روسية.
اليمين المتطرف في إسرائيل، الذي طغى على حكوماتها خلال العقود الأخيرة، وبتجاهله لكل المطالب الفلسطينية المشروعة التي تطرحها السلطة الفلسطينية الشرعية، مُمَثلة بحكومة الرئيس محمود عباس، وللقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كحَل الدولتين مثلاً، ساهم بل وشَجّع في صعود اليمين المتطرف الفلسطيني مُتمَثلاً بحماس، أولاً لإضعاف السلطة الفلسطينية، وثانياً لإيجاد مُبَرِّر لسياسته التصعيدية، وثالثاً لأجل الإنتخابات. هنا سارعت إيران لتبني هذا اليمين الفلسطيني المتطرف، وضَمِّه الى حاشية غلمان المُرشِد. بالمُحصلة كِلا اليَمينَين لا علاقة له بمصالح الشعبين، ورَغبتهم في العيش بسلام. وفي هذه الحرب إستفاذ اليَمينان، الإسرائيلي ممثلاً بحكومة نتنياهو، والفلسيطيني ممثلاً بحماس. فبالنسبة لإسرائيل، كانت حكومة نتنياهو غارقة بمشاكل سياسية وإقتصادية لا حلّ لها، فجائت هذه العملية كطوق نجاة ليُقَوّي جبهتها الداخلية التي كانت تعاني الإنقسام، من جانب آخر ساهَمت هذه العملية بحَشد الرأي العام العالمي خلف الحكومة الإسرائيلية. أما حماس، فحمام الدم الذي كانت تنتظره كنتيجة للغارات الإسرائيلية على غزة سيَمُدّها بمزيد مِن مشاريع الموت الساعية للإنتقام، كما أن الحَماس الغريزي المُنفلت الذي غَذّته بروبغندا عمليتها الإرهابية، وتم تسويقه على مواقع التواصل كإنتصار مُبين، أسهَم في صعود أسهُمها لدى العوام والرعاع الذين باتوا أغلبية في كثير من الدول العربية والإسلامية. ونَسِيَ المصريون مثلاً، دور حماس القذر بدعم الأخوان في حكم مصر، وباتوا اليوم مُطَبّلين لجرائمها! كما نَسِيَ العراقيون الذين تعَوّقوا وفقدو أحبّتهم بسيارات القاعدة وداعش المفخخة، أن حماس كانت تدعمهما معنوياً ومادياً وبشرياً، ونصَبَت سرادق عزاء للزرقاوي، كما نَسِيَ أبناء الغربية تحديداً، الذين أبادتهم وهجرتهم مليشيات إيران ممثلة بالحشد، أن حماس نصَبَت سرادق عزاء لسليماني. فذاكرة شعوبنا ليست فقط مثقوبة كما كنا نظن، بل معدومة لأننا إكتشفنا أن عقولها التي يفترض أن تضُم خلايا الذاكرة لا وجود لها. بالتالي ليست لها ذاكرة تخزن وتُقارِن وتُعيد حساباتها، لذلك لا تتعلم، وتكرر أخطائها، ويَسهُل أعادة خِداعها وإستخدامها من قبل أمثال إيران وميليشياتها، التي باتت تعتاش ويَعتمِد وجودها على أزماتها وحروبها مع إسرائيل، أكثر من الإسرائيليين أنفسهم.
إيران داعم أساسي للجماعات الإرهابية في صراعها مع إسرائيل في المنطقة. لكنها في الوقت نفسه، لا تشارك فيه بشكل علني مباشر، لأنها قد لا تتمكن من النجاة منه. وقد جاء توقيع الإمارات والبحرين والمغرب على إتفاقيات تطبيع ونيّة السعودية الإلتحاق بهم، ليسجل نقطة لصالح إسرائيل والدول العربية وجهود إحلال السلام في المنطقة. بل بدأ يظهر نوع من التحالف المناهض لإيران، بعد أن أيقنت العديد من الدول العربية المكتوية بنار مؤامراتها وميليشياتها، بأن خطرها أكبر مِن إسرائيل. وهو ما لم تكن إيران التي تسعى لإبقاء المنطقة مشتعلة ليَسهُل الهيمنة عليها، بحدوثه، فقَرّرَت قلب طاولة التطبيع قبل أن تجلس عليها السعودية، لإيقاف تأثير الدومينو الذي بدأ يجتاح المنطقة، لأن إستمَراره كان سيُجهض مشروعها التوسعي. لذا دفعَت حماس لإستفزاز إسرائيل، لأنها كانت تعلم أن رد فعلها سيكون إنتقامياً ونجحت في ذلك، لأن الأمر سيَستغرق وقتاً قبل أن يجرؤ أحد على الحديث عن السلام مرة أخرى. عموماً لدى إسرائيل أعداء آخرين في المنطقة، على رأسهم حزب الله الذي تعتبر ترسانته أخطر بكثير من حماس، وقام بقصف مواقع إسرائيلية من لبنان فعلاً، وكعادته روج لذلك كتضامن مع حماس. وهو ما يدعم وقوف إيران وراء الأمر، لأنها الراعي لكلاهما، وقد دعَمت حماس في السنوات الأخيرة بشحنات أسلحة وأموال عن طريق الحزب. لذا القصف المتزامن من الشمال من قبل الحزب ومن الجنوب من قبل حماس لم يكن عفوياً بل بالتنسيق بينهما. فإيران هي المُدَبّر الفعلي لهجوم حماس، ووزير خارجيتها عبد اللهيان يخطط ويوجه العمليات من لبنان. الخامنئي من جانبه وبدَجله المعهود، أنكر تورط بلاده في الصراع، لكنه أشاد بهجوم حماس، مُحَذّراً أنه إذا إتخذت إسرائيل مزيداً من الإجراءات، فهناك خطر لتوسيع الصراع. كما دعا الرئيس الإيراني فرنسا عبر مكالمة هاتفية مع ماكرون للمساعدة بمنع إستهداف الفلسطينيين. ونقلت وسائل الإعلام عنه قوله إن الوضع سيصبح أكثر تعقيداً إذا لم توقف إسرائيل جرائمها. كل هذه التهديدات تخفي في طياتها إقراراً بوقوفهم وبلادهم خلف الأمر.
إن الشعب الفلسطيني رهينة بيَد حماس. كما أن الشعب اللبناني رهينة بيَد حزب الله. كذلك الشعب اليمني رهينة بيَد الحوثيين. والشعب العراقي رهينة بيَد الحشد الشعبي. فجميعها تنظيمات إرهابية مُبَرمجة إيرانياً. لذا تغيير المنطقة يجب أن يشمل توجيه ضربة قاصمة لها جميعاً، وقبلها إيران. فقد بات النفوذ الإيراني العابر للحدود بإسم الدين والطائفة تهديد وجودي، ليس فقط للمنطقة، وإنما لكل العالم. هنا قد يسأل البعض: أَمِن المعقول أن تَصِل العَمالة بحماس الى درجة التضحية بغزة وسكانها في سبيل أهداف أسيادها بقُم؟ الجواب بكل تأكيد. أولاً لأنها فعلتها سابقاً بمُناسبات كثيرة. وثانياً لأن سكان غزة لا قيمة لهم عندها وعند أسيادها، الذين يبثون ثقافة الموت بإسم الشهادة بين أتباعهم في الدول العربية، والمُستعدين للتضحية بكل شعوبها على مذبح مشروعهم الشيطاني التوسعي. بل أن مشروعها قائم أساساً على فكرة محاربة أعدائها بمرتزقة من الخارج. وسَبق ودَفعَت حزب الله للقيام بعملية خرقاء كهذه في 2006 وكانت النتيجة تدمير الجنوب، الذي رغم أنه كان كارثياً على أهل الجنوب ولبنان عموماً، إلا أن إيران وزعران الحزب سَوّقوه كإنتصار. وهذا حتماً ما سيفعله زعران حماس في قادم الأيام وهُم يقفون على أشلاء سكان غزة وأطلال خرائبها، لتتوجه لهُم أضواء الإعلام، ويُعلِنوا إنتصارهم الزائف، وتُصَفِّق لهم شعوب الوعي القطيعي، وخلفهم إيران التي حققت هدفها بإفشال التطبيع، وبَعَثت للعالم، وعلى رأسه أمريكا وحلفائها في المنطقة، رسالة مفادها أنها سيدة المنطقة والآمر الناهي فيها ولا أحد فيها بمنأى عن أذرعها، وأن بإمكها أن تُشعِل حرباً متى وأينما تشاء! كما أن إيران تكره الفسطينيين لأسباب طائفية، والإسرائيليين لأسباب تأريخية، لذا قررت أن تضرب عصفورين بحَجَر، فدفعت بمرتزقتها ليُشعلوا الفتيل ويبدأ العَويل، فتأكل نارهم حطبهم، ويقضي أحدهم على الآخر، أو يقضيان على بعضهما، دون أن تحرك جندياً أو تطلق طلقة. كما فعلت حينما دفعت بمُرتزقتها ليُشعلوا الفتيل بين سُنّة العراق وشيعته عام2007 ويبدأ العَويل، فأكلت نارهم حطبهم، وكاد أحدهم أن يُبيد الآخر، دون أن تحرك جندياً أو تطلق طلقة! طبعاً هي لن تفوت الفرصة لإستغلال الحدث، ليس فقط عملياً بل وخزعبلاتياً. فغُلامها جلال الدين الصغير صرح مؤخراً بأن الأحداث الأخيرة ستُسَرِّع بظهور المهدي!! لذا لن يستقر الشرق الأوسط، ولن يحل السلام، دون القضاء على نظام إيران، وعلى محوَر المرتزقة المُسَمّى بمحور المقاومة.
التعليقات