تؤكد بعض الفقرات الواردة في مذكرات وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر أنَّ الهدف الحقيقي من الحرب على العراق عام 2003 كان السيطرة التاريخية والروحية عليه، والتي ستكون مقدمة لضمان السيطرة على عموم منطقة الشرق الأوسط.

الضرب على وتر الدين والطائفية كان الوسيلة الأهم لبدء الحرب في الشرق الأوسط، ولتكون تلك سبباً في تقسيم المقسم وإطلاق الصراع الدامي فيه. وقد اختير العراق بالذات لما يمتلكه من عناصر ومقومات الصراع، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المجاور لإيران والسعودية، وتعدان من أبرز الدول إقليمياً من حيث أثرهما في المنطقة وتأثيرهما على مجريات الأحداث فيها، وهو ما يعد حافزاً لعملية التقسيم الطائفي، إلى جانب الأسباب الأخرى المكملة والداعمة كوجود القوميات والمذاهب، والتي تعدّ من أهم الأسباب الداعمة لهذا الصراع.

عمل البيت الأبيض طوال سنوات لإضعاف العراق اقتصادياً، كما خلق حروباً مصطنعة ساهمت كثيراً في إضعافه سياسياً، الأمر الذي جعله هشاً وأفقده منعته، فسقط أمام أول الدبابات الأميركية عام 2003، ومن دون مقاومة تذكر من جيش كان يُعد من أقوى الجيوش في المنطقة العربية.

سعت الولايات المتحدة حينها إلى إقناع المعارضة العراقية في الخارج بضرورة إسقاط النظام وإنهاء وجوده، ولولا وعي التيارات السياسية وكشف النوايا الأميركية، لكانت تدور في رحى الاحتلال ليومنا هذا.

لقد ساهم نظام صدام حسين نفسه بدور كبير ومهم في إسقاط البلاد بيد الأميركيين، من خلال تصفية المعارضين للولايات المتحدة، وما جاء بعدها من حرب تدميرية مع إيران راح ضحيتها أكثر من مليون قتيل، فضلاً عن ارتكاب حماقة احتلال الكويت والبدء بعملية حصار خانقة للشعب العراقي، كانت كلها ذرائع من أجل تجويعه وإذلاله لاجتياحه واحتلاله، فأصبح العراق ومنذ عام 2003 ساحة حرب وصراع مكشوفة.

الخطوة الأخيرة كانت إدامة وتأجيج الصراع الطائفي ليكون بداية للسيطرة على عموم المنطقة، وتحويل العراق إلى أرض للخراب والدمار والظلام، تمهيداً للسيطرة على باقي دول المنطقة.

السياسة الأميركية يمكن تلخصيها بإبقاء الوضع منقسم طائفياً فيكون تحت السيطرة، وهذا ما حصل فعلاً من تقسيمات طائفية وقومية في بنية الحكومات المتعاقبة بعد سقوط النظام، وتوزيع المناصب على أساس هذا التقسيم، إلى جانب سعي الأميركيين إلى تقسيم المناطق على نفس الأساس المذهبي والقومي، ودعم الأكراد قومياً، وعندها تكون كركوك نقطة الخلاف بين العرب والأكراد.

لم يعد خافياً أيضاً أن واشنطن سعت بكل وسائلها لتضخيم دور إيران إعلامياً، بهدف إخافة الدول العربية وجرها إلى الصراع على أرض العراق، وهذا ما تحقق فعلاً، وهي سائرة في تنفيذ مخططها بدقة، وما السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، والتي تعد أكبر سفارة في العالم، إلا الدليل على نواياها ورغبتها بالبقاء في الشرق الأوسط انطلاقاً من العراق.