تشهد المملكة العربية السعودية في كافة قطاعاتها الخاصة والعامة تطوراً كبيراً في نظام التحول الإلكتروني وتبني برامج الذكاء الاصطناعي وعقد شراكات مع ملاك شركات التقنية لتحقيق أفضل تطبيق لتوجيهات الرؤية الطموحة 2030، وذلك من أجل رفع كفاءة مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين والزائرين، علاوة على تبني كثير من الجهات الخاصة والعامة الحلول التقنية لمنسوبيها، مثل العمل عن بعد، وتنفيذ الاجتماعات واعتماد التواقيع وغيرها من الحلول الإلكترونية التي تحقق كفاءة العمل وسرعته، وتقضي على البيروقراطية.
لكن ما يزعج الكثيرين اليوم هي ساعات العمل الطويلة، التي تبدأ في أغلب القطاعات من الثامنة صباحاً إلى الخامسة عصراً، وفي كثير من المنشآت دون مبرر أو حاجة، إنما هي قواعد وزارة الموارد البشرية بشكل أو بآخر.
أعلم أن وزارة الموارد البشرية تحمل مهمة جسيمة وفي مرحلة هامة وصعبة كونها تكتب صفحة جديدة في تاريخ العمل، كون العامل السعودي أصبح أكثر نضجاً وحاصلاً على مختلف المؤهلات والمهارات المهنية والإلكترونية، لكن ألم يحن الوقت لاستثمار هذا التطور التقني بشكل أفضل عبر إيجاد حلول جديدة تسهم في رفع جودة الحياة ومناحيها المختلفة المهنية والاقتصادية والاجتماعية؟
حبذا لو يكون الدوام الرسمي للوظائف الحكومية من الساعة التاسعة صباحاً إلى الثالثة عصراً، فلا داعي لتواجد الموظفين وقتاً أطول يستهلكهم ذهنياً وصحياً ويفسد ارتباطهم الأسري، بل يؤثر على اقتصاد بلدهم، كون هذا الفرد تم استنزاف طاقته، فلا يستطيع حتى أن يقضي وقتاً ممتعاً يحرك به المحال التجارية.
إن تطبيق خفض ساعات العمل وبالتوقيت الذي ذكرته ليس من باب الترف المهني، إنما سيكون أثره إيجابي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، حيث سيجد العاملون الوقت الذي سيحرك استهلاكهم، مما سيزيد من القوة الشرائية ونجاح مشاريع الترفيه وغيرها، علاوة على أنه سيعزز من الاستقرار الأسري للموظف وبما ينعكس على إعادة ترتيب أولوياته الأسرية، وبالأخص دور الأم الهام في تربية الأبناء، فكيف للموظفة التي ينتهي عملها عند الساعة الخامسة أن تؤدي دورها الأسري، حيث نكون مكناها وظيفياً ولكن حطمناها أسرياً، وكيف يمكن للأب أن يحقق التوازن بين دوره الأسري والمهني، ناهيك عن المحال التجارية التي أصبحت في كثير من الأوقات خاوية.
إنَّ خفض ساعات العمل سيحد من النزف الكبير للطاقة الكهربائية والفواتير واستهلاك الوقود والمكالمات الهاتفية وزحام المرور، الذي بات من أهم أسباب تراجع جودة الحياة، وفي الرياض بالتحديد. وخفض ساعات العمل لا يعني قلة الإنتاجية، بل العكس تماماً، فالأثر إيجابي على جميع مناحي الحياة، وها نحن في شهر رمضان المبارك نشهد التجربة، وحبذا لو تكتمل بمبادرة من نوع صرف الرواتب كل أسبوعين، وغيرها من الأساليب والمقترحات التي تعزز جودة الحياة وتسهم في تحديث أنظمة سوق العمل ليصبح جاذباً ويتناسب مع الجيل والزمن.
التعليقات