القدس زهرة المدائن عروس أمتنا.. القدس عظيمة التأريخ والموروث، جذورها عميقة، ومن لم ينبت من عمق تلك الجذور فهو قشري لا علاقة له بالجذور ولا بعراقة الأصول، ولا يمكن أن يعبر عن حقائق، ووحدهم أهل فلسطين الأحرار الصادقين ومعهم أبناء أمة الإسلام الصادقين في انتمائهم لعقيدتهم هم المخلصون لفلسطين والأكثر استعداداً للتضحية والفداء لأجلها، بعيداً عن الشعارات الكاذبة والمتاجرة بالدين وكوارث الآخرين.
الأصل أن فلسطين هي جزء من أرض العرب الكنعانيين، قبل أن يدخلها نبيا الله إبراهيم ولوط عليهما السلام قادمين إليها من العراق، وكون أن إبراهيم عليه السلام وأبنائه وأحفاده قد أقاما فيها فإن ذلك لا ينفي حق أصحابها فيها، وإن ملكية المكان وهويته بالإقامة فقد أقام بنو يعقوب عليه السلام في العراق ومصر وأوروبا أكثر مما أقاموا في فلسطين فهل كانت هذه البلدان ملكا تاريخياً لهم يمكنهم الادعاء به؟ أكبر الشعارات وأكثرها تأثيراً هي تلك التي تمس جذور الإنسان في عرقه أو عقيدته وانتماءاته، وأكثرها حدة في التأثير هي ما يتعلق بفلسطين بسبب ما تعرضت له من ظلم تاريخي عندما وهب المجتمع الدولي أرض دولة فلسطين لعصابات صهيونية، وهو نفس المجتمع الدولي الذي شرع لاحتلال فلسطين بالأمس وإبادة غزة اليوم ثم بدأ يتباكى على مجاعة ومآسي أهلها وما يجري فيها من إبادة جماعية وفي الوقت ذاته لا زال يشجع بشكل أو بآخر على المزيد من الإرهاب والإجرام بحق الشعب الفلسطيني.
يوم القدس العالمي
كل الأيام لك فلسطينُ.. كل الأيام ثورة مشروعة لأجلك يا قدس وأفلح إن صدق المدعون سواء من جعلوا للقدس يوماً أو من جعلوا كل الأيام لأجل فلسطين، وقد صدق أبناء فلسطين في منظمة التحرير وحركة فتح وسائر القوى الوطنية الفلسطينية ولا عجب في ذلك فهذا وطنهم المسلوب وهذه قضيتهم ومن الجُرمِ أن يأتي أحداً ليزاود عليهم في نضالهم من أجل بلادهم وبيوتهم التي أُخرِجوا منها وشوارعهم التي عجت برائحة طفولتهم وصباحهم وشبابهم وجدران وأشجار لا زالت شاهدة على حقهم تحكي قصة جذور الأبناء الذين غادروها أو هؤلاء الذين لا يزالون يمشون بين ربوعها سجناء وشهداء وآخرون ينتظرون الشهادة، أما الآخرون من العرب والمسلمين وغيرهم من المساندين للقضية الفلسطينية فلن يكونوا أكثر من متعاطفين قل من يضحي منهم بالروح والدم لأجلها ونبيل كريم من ساند بالموقف الصادق سواء بالدعم المادي أو المعنوي، ولن يكون من جاء سنة 1979 ليرفع شعارا فضفاضا يناور به كابن فلسطين الذي تمتد جذور نضاله إلى ما يقرب من مئة عام من النضال حافلة بالتضحيات والقيم الثورية التي أصبحت مدرسة للنضال الثوري في المنطقة كلها ولها بصمتها العالمية أيضاً، ولهذا المدرسة الثورية الوطنية الفلسطينية الفضل على ملالي طهران الذين سرقوا الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979 لكنهم تنكروا لهذا الفضل وبات شغلهم الشاغل هو القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية لا لشيء سوى رفض الزعيم العربي ياسر عرفات تسليم نضال وكفاح الشعب الفلسطيني بيد خميني الذي تكبر وتعالى على الجميع بعد استيلائه على الثورة الوطنية الإيرانية وتسميتها بالثورة الإسلامية ومن ثم السطو على السلطة في إيران واستبعاده للآخر بدعم غربي.. لقد رفض أبو عمار أن يقتل الثورة الوطنية الفلسطينية العظيمة بتاريخها الجميلة الأصيلة والحقيقية بتنوعها وحضور جميع أبناء فلسطين برقيٍ وصدقٍ تحت رايتها وشهد العالم الحر على أصالتها من غير المسلمين وقوتها بسبب هذا التنوع داعماً لشرعيتها ثم يأتي خميني مطالبا ياسر عرفات بإعلان الثورة الوطنية الفلسطينية ثورة إسلامية متناسياً حقوق باقي الفلسطينيين، ومتناسياً أيضاً أن الثورة في إيران لم تك إسلامية بل كانت ثورةً وطنية، وتُصِر القوى الإسلامية الحقيقية التي شاركت في الثورة الوطنية الإيرانية على بقاء ثورة عام 1979 كثورة وطنية لتكون ممثلة للجميع ويكون نتاجها مظلة يستظل بها الجميع ويحرصون عليها بدلا من التيه والضياع والخراب الذي تعيشه دولة إيران وحالة البؤس والظلم والحرمان التي يعيشها الشعب الإيراني منذ سلب ثورته سنة 1979 وإلى اليوم.
لسنا ضد أن يكون للقدس يوما عالمياً تتجدد فيه بيعة الأحرار من الشعوب والقوى الثورية للقضية الفلسطينية العادلة وللنضال الوطني الفلسطيني لتحقيق الهدف المنشود وهو عودة قيام الدولة الفلسطينية دولة لجميع أبنائها.. لكننا ضد متاجرة ملالي طهران بالقضية الفلسطينية وإعلان أخر جمعة من رمضان يوم عالمياً للقدس ليس لنصرة وإنما لسحب البساط من تحت الدول العربية والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وتاريخها وتشويه صورتها خاصة أمام أجيال اليوم الذين لا يكادون يفقهون شيئا عن تاريخهم وحقيقة تاريخ المنطقة ويؤسفني أن أقول أن بعضهم وقد باتوا أرقاما لا يكادون يفقهون قولا؛ لسنا ضد أن يرفع النظام الإيراني لواء تحرير فلسطين بصدق بدلا من تفتيت أواصر الأخوة بين أبناء فلسطين وزرع الشقاق والفتن فيما بينهم وتقسيم فلسطين بين ما هو تابع لهم فيكون هو الراية المطلوبة في فلسطين.. الراية المطلوبة ليس من أجل فلسطين وإنما من أجل تحقيق غايات نظام الولي الفقيه الحاكم في إيران.. تلك الغايات التي كانت ولا زالت تخدم مصالح المحتل وتدعم بقائه وترسخ لاستمرار محنة الشعب الفلسطيني.. وأما يوم القدس العالمي الذي كهنة إيران شعاره فلا يمت للحقيقة بصلة إذ لا علاقة لهؤلاء الكهنة بفلسطين ولا بالإسلام.
لمن القدس اليوم
لمن القدس اليوم.. أهي لأهلها والصادقون في تعاطيهم مع قضيتها وحقها ومحنتها أم للمدعين ووكلائهم.. أليست القدس قضية العرب التي سحب كهنة المعبد في إيران بساطها بالحيلة والغش والخداع من تحت أقدامهم حتى وصل بنا الحال إلى التفرج والصمت على ضياع قرابة من مئة عام من النضال الفلسطيني لنعود إلى المربع صفر بسبب التهاون مع تدخلات الملالي في فلسطين والمنطقة.. لمن القدس وفلسطين اليوم للذين رووا الأرض بدمائهم وبذلوا الغالي والرخيص لأجلها أم للكهنة تجار الدين والشعارات في إيران.
خيارات القدس اليوم باتت بيد الغرب وكهنة المعبد في إيران الذين لا يعنيهم تحرير فلسطين وانتهاء أزمتها بل هم في أمس الحاجة إلى استمرار هذه الأزمة لذلك لم يُقدِموا على تحريرها من قريبٍ أو بعيد سواء من الأراضي اللبنانية أو السورية خاصة بعدما أصبحت العراق وسوريا ولبنان في يد الملالي.. واليوم يلوحون بإثارة ودعم وتسليح فتنة مسلحة في الأردن تحت نفس الشعار الكاذب شعار فلسطين والقدس فهل ستحرر القدس بفتنتهم الخلاقة في الدول العربية، وهل سيحررون فلسطين من خلال مخططهم في الأردن أم يسعون إلى هدم الأردن كما هدموا العراق وسوريا واليمن وفلسطين ويبقى الحال على ما هو عليه في فلسطين حتى يصحو العرب من غفوتهم ويستعيدوا بساط قضيتهم ويمسكوا بزمام أمرها.. وأعود وأسأل لمن القدس اليوم بعد أحداث غزة وما تجري من مفاوضات ومساومات هنا وهناك وبعد الزيارات والتصريحات التي تتعالى من طهران تحت علم السودان في جلسة فلسطينية.. استعيدوا زمام أمركم يا عرب.
التعليقات