ما بين العصور الوسطى والعصور الحديثة، هناك العديد من الدول تحكم بواسطة الملوك والأمراء والحكام الذين يتربعون على السلطة لعقود. يمارسون الاستبداد وانتهاك حقوق المواطنين واستغلالهم. القرن العشرون، شهد في العديد من الدول أنظمة دكتاتورية وشمولية. الزعماء، في هذه الأنظمة يمتلكون سلطة مطلقة ويتجاوزون على الدستور والقانون ويسيطرون على جميع مؤسسات الدولة لخدمة أهدافهم السياسية والشخصية. وهناك الكثير من البلدان ومن بينها العراق، ما زالت في هذا العصر تمارس أشكالاً مختلفة من الانتهاكات الجسيمة ويتم استخدام العنف لقمع المعارضة وحرية الرأي والتجاوز على حقوق المواطنين المدنية والسياسية والفكرية. وتشمل هذه الانتهاكات استخدام القوة المفرطة من قبل الشرطة أو التجاوز على الحقوق الفردية باسم مكافحة الإرهاب أو حفظ الأمن.
في النهاية، عندما لا تكون هناك آليات فعالة للمساءلة والرقابة تتكشف مظاهر التجاوزات ومدى انتهاك أصحاب السلطة لمقومات الدولة ومبادئ القانون بشكل واضح. ولا يمكن أن تبرز أهمية توازن السلطات أو أن يسود القانون لتعزيز المؤسسات ومنع التجاوزات اللاديمقراطية بحق الدولة ومصالحها الوطنية.
وإذا كانت العديد من الدول، قد شهدت انقلابات عسكرية، حيث يعطل الجيش القوانين ويقوم بالسيطرة على الحكم والمؤسسات الحكومية. ومن ثم استخدام القوة العسكرية وتحطيم المعارضة لتحقيق مصالح القادة العسكريين. إلا أن عراقا ما بعد احتلاله عام 2003، لم يأت بسلطة نتيجة انقلاب إنما "سلطة" بإرادة ما يسمى بـ "ديمقراطيات الدول المتقدمة"، يفترض أن تكون لديها نظرة تاريخية شمولية أوسع لفهم أهمية احترام مبدأ الدولة ومؤسساتها الإدارية والقانونية. لكن على ما يبدو، أن تحالف "دول الديمقراطيات" لم ترشد القوى السياسية أو الحكومات العراقية التي جاءت بها للسلطة على كيفية إدارة الدولة، مع شرط ، عدم سوء استخدام السلطة والقوانين لتحقيق أجندات سياسية أو اقتصادية معينة. مما أفقد الحكم الديمقراطي الذي يدعون، مصداقيته. والسياسيون العراقيون عدم قدرتهم على تعزيز سيادة الدولة المستقرة وإصلاح مؤسساتها وترسيخ حكم القانون كضمانات ضد التجاوزات ولحماية حقوق المواطنين.
السؤال المهم: من يضمن حقوق المواطنين في بلد كالعراق متعدد الثقافات والمذاهب، الدولة أم السلطة؟
السلطة والدولة لهما مفاهيم أساسية في علوم فلسفة السياسة، دور كل منهما وعلاقتهما ببعضهما البعض: يستند إلى مطالعات فكرية وقانونية وسياسية عميقة. فالسلطة في أشكالها المختلفة، السلطة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية إلخ، لديها، القدرة للسيطرة على الموارد واتخاذ القرارات، سواء بشكل شرعي أو غير شرعي، ويمكن أن تكون مرتبطة بالحكومات أو المؤسسات الحزبية أو الأفراد والجماعات. أما الدولة، فهي هيئة سياسية مستقلة تتمتع بالسيادة حصرا، وتمتلك سلطة الحكم على أراضيها وسكانها. وتتكون الدولة من عدة عناصر، بما في ذلك الحكومة، السكان، الأراضي، والقوة العامة. وتشمل وظائف الدولة توفير الأمن والعدالة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين...
ومن أهم مظاهر العلاقة بين السلطة والدولة: توزيع المسؤوليات بشكل مناسب داخل الدولة لضمان توازن القوى ومنع انتهاك الحقوق الأساسية العامة فإذا ما نشأ تجميع السلطة في يد مجموعة صغيرة، قد يؤدي ذلك إلى الاستبداد والقمع. وكي تتمتع السلطة بالشرعية، أي أن تكون مقبولة من قبل الشعب، وتكون مسؤولة أمامه من خلال الآليات القانونية والسياسية، يفترض، أن يكون للمواطنين حق مراقبة السلطة ومساءلتها عن أفعالها. لكن إذ كانت الدولة تفتقر إلى هياكل دولة فعالة، وتسمح لأن تكون السلطة متمركزة في أيدي الأفراد أو الجماعات دون مساءلة قانونية فعالة. سيؤدي ذلك إلى الفوضى، وانعدام الأمن والعدالة الاجتماعية. وسيتعذر على الدولة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أو المقدرة على تحقيق مصالح المجتمع بشكل عادل ومتوازن... بشكل عام، كي يتحقق التوازن والعدالة ويضمن استقرار المجتمع، يتعين على أن يكون هناك تفاعل بين السلطة والدولة. من خلال تعميق العلاقة بينهما، يمكن تحديد السياسات والإصلاحات اللازمة لتعزيز دور الدولة كمؤسسة فاعلة في خدمة المجتمع وضمان حقوق وحريات المواطنين وأمن الدولة ذاتها.
السلطة والدولة في سياق المفهوم الدولي، لهما دوران حيويان لضمان وحماية الحقوق المدنية والسياسية للمجتمع والأفراد. الدور الخاص بالدولة: تكون الدولة المسؤولة عن وضع القوانين والتشريعات التي تحمي حقوق الأفراد والمجتمع في مختلف الجوانب، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية وتوفير بنية قانونية ومؤسساتية تضمن تطبيق هذه القوانين وتنفيذها بشكل عادل ومتساو. تضمن الدولة وجود نظام قضائي مستقل ومنصف يحمي حقوق المواطنين ويوفر لهم فرصة للمحاكمة العادلة والاستجابة لشكاوى الانتهاكات. بالإضافة إلى ذلك، توفر الدولة البنية التحتية اللازمة لضمان ممارسة الحقوق المدنية والسياسية، مثل الحرية في التعبير والتجمع والديمقراطية السليمة... الدور الخاص بالسلطة: تتعلق مسؤولية السلطة في تأمين وحماية حقوق الأفراد والمجتمع عن طريق تنفيذ القوانين وتطبيقها بشكل فعال. ويجب على السلطة أن تمتلك وتمارس دورها بشكل شرعي ودستوري، مع احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين. أيضا أن تكون مسؤولة أمام المجتمع والمواطنين، وأن تكون قابلة للمساءلة في حال انتهاكها للقوانين أو قامت بانتهاك الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين. بشكل عام، يجب أن تتعاون الدولة والسلطة معا لضمان وحماية هذه القيم، وتحقيق هدف التوازن بين سلطات الدولة وضمان أن تكون تلك السلطات محدودة ومقيدة بالمؤسسة القانونية.
التعليقات