عندما تضرب سياط الشمس جلود الناس، تتحول الأشجار والمباني والأشياء الشاخصة إلى ملاذات يستظل بها الهاربون من أشعة الشمس الحارقة!! وحين نذكر الظلال وحرارة الشمس، لا بدَّ من أن نذكر إحدى الصور المألوفة في هذه الظروف، والمتمثّلة بنومة "القيلولة"... وتبلغ هذه القيلولة أقصى درجات لذتها حين يستسلم لها المرء تحت شجرة، وفي مجرى هواء عذب (بالتعبير العراقي عذيبي)!!

وفي هذا المجال، خصصت بلدية مدينة "كَراس" (Grasse) الواقعة على حافة فرنسا الجنوبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، خدمة نوعية لأبنائها، ومن يحط ركابه في هذا المكان من زوار وعشاق باحثين عن فواصل رومانسية للراحة أو الهمس أو التأمل أو النوم أو تدوين الذاكرة!!

إنَّها خدمة "أماكن القيلولة" في الحدائق العامة أو الممرات المظللة بالأشجار، التي تقدمها البلدية للسائحين وأهل البلد، حيث تتوزع كراسي النوم "الطويلة والمحدبة" على هذه المساحات وتنتشر في سمائها سحب العطور.

لا تنتج مدينة "كَراس" النفط ولا الغاز ولا تصنع التقنيات، لكنها تبتكر العطور وتصنع أنواعاً كثيرة منها تمد بها أسواق العالم، فاكتسبت باستحقاق لقب "عاصمة العالم للعطور"!!!

المحلات في هذه المدينة تتبارى في بيع العطور، وتملأ فضاءاتها الداخلية بها، فيما تنفث الأنابيب البلاستيكية الرقيقة المعلقة فوق أزقتها الجميلة على رؤوس المارة أبخرة العطور.

وفِي هذه المدينة، أينما تولي وجهك، ترى لافتة كتب عليها (كَراس مدينة وقيلولات معطرة)!!

ولا تكتفي "كَراس" بسحر المارة بأريجها، ولكنها تغازلهم بباقات ورودها المعلقة على الأسطح والسقوف... كل يوم جديد، عطر جديد ولون مختلف!!

"كَراس" الجميلة والثرية والمعطرة، صنعها بشر كذلك، وفكر من أجلها مخلصون...!!!