ذكرت مجلة الايكونوميست أنَّ شركات الحوسبة الكبرى مثل Alphabet (الشركة الأم للعملاق Google) وAmazon وMicrosoft تسعى دائماً إلى زيادة قوتها الحاسوبية وبناء قدرتها السحابية. ووفقاً لأحدث تقاريرها، فقد صرفت هذه الشركات في الفصل الأول من العام، وبشكل جماعي، 40 مليار دولار معظمها في مراكز البيانات المجهزة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي (AI). وحتى شركة ميتا، التي ليس لديها أعمال سحابية لكنها تدير امبراطورية وسائل التواصل الاجتماعي المتعطشة للبيانات، فإن انفاقها قد يصل إلى 40 مليار دولار هذا العام في مشاريع الذكاء الاصطناعي، وكذلك خططت شركة أرامكو السعودية لتخصيص 50 مليار دولار للغرض نفسه، فيما خصصت الإمارات العربية المتحدة 40 مليار دولار لمبادرات تطوير الذكاء الاصطناعي.
بينت أحدث التقارير لوكالة الطاقة الدولية أنَّ استهلاك العالم للكهرباء المرتبطة بمراكز البيانات والعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي وصلت في عام 2022 إلى ما يقرب من اثنين بالمئة من الطلب العالمي للطاقة، ويتوقع أنَّ هذه الاستخدامات ستتضاعف بحلول عام 2026، مما يجعلها مساوية تقريباً لما تستهلكه اليابان بأكملها من الكهرباء.
ونجد مؤخراً ألتمان سام، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAi والتي أطلقت تشات جي بي تي (Chatgpt)، يسعى للاستثمار في شركة Helion وهي شركة ناشئة تعمل في مجال الاندماج النووي وشركة Exowatt وهي أيضاً شركة ناشئة تعمل على تطوير وحدات الطاقة الشمسية وكذلك يسعى لجمع الأموال لشركة تعمل على مفاعلات نووية صغيرة تعمل بالوقود المستهلك من مفاعلات أكبر، وكل هذه المزارع للطاقة لتأمين الطاقة النظيفة لخودام الذكاء الاصصناعي. كما أعلنت مؤخراً Microsoft وبروكفيلد أحد العمالقة المستثمرين في البنية التحتية في العالم عن صفقة لبناء 10.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة في أميركا وأوروبا لضمان وفاء عملاق البرمجيات Microsoft بالتزامها بالحصول على 100 بالمئة من الطاقة النظيقة الخالية من الكربون بحلول 2030.
حسب ما ذكرت مجلة وول ستريت جورنال فإن عمالقة التكنولوجيا مثل OpenAi حصدوا في بحثهم المحموم عن البيانات اللازمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية كل جزء من محتوى الويب المتاح ويحذرون أن البيانات عالية الجودة (مثل مدخلات ويكيبيديا والأوراق العلمية وغيرها) يمكن أن تنفذ بالكامل خلال العامين القادمية ولتجنب ذلك بدأت شركات التكنولوجيا تبتكر في إيجاد مصادر جديدة للبيانات للتدريب على الذكاء الاصطناعي وهذه قد تقع في منطقة رمادية قانونية فحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن OpenAi مثلاً طورت أداة تقوم بنسخ الصوت من مقاطع الفيديو لليوتيوب، وذلك سيكون مصدراً جديداً للبيانات التي قد تنتهك حقوق الطبع والنشر.
إقرأ أيضاً: القوى الإنتاجية الجديدة عالية الجودة في الصين
إنَّ الذكاء الاصطناعي يبشر بمستقبل واعد للجميع، وسيعود بالخير على البلدان النامية في جميع أنحاء العالم بتوفيره حلولاً تغير قواعد اللعبة للتحديات التي تواجهها هذه الدول من ضعف البنية التحتية والبطالة وعدم المساواة والتعليم والرعاية الصحية وانعدام الأمن الغذائي والطاقة. وحسب Google، فإنَّ وعد الذكاء الاصطناعي لن يترجم تلقائياً إلى نمو اقتصادي، بل سيتطلب إجراءات متضافرة من قبل الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وقد أصدرت Google مؤخراً تقريراً جديداً بعنوان AI Sprinters (العداؤون في الذكاء الاصطناعي)، يعرض الطريق الصحيح والاستثمارات الاستراتيجية الذكية والسياسات التمكينية التي يجب انتهاجها لتكون البلدان النامية جاهزة لعصر الذكاء الاصطناعي، ويتضمن أربع توصيات، الأولى إحداث ثورة في البنية التحتية من خلال تطوير مبادرات وحلول مبتكرة لبناء القدرة السحابية وبتكلفة فعالة وآمنة على نطاق واسع مما يشكل قاعدة صلبة لاستخدام وانتشار الذكاء الاصطناعي، والثانية تطوير مبادرات لدعم المهارات الذكاء الاصطناعي الوطني بتطوير وتعزيز مهارات العمال وقدرتهم للوصول للانترنت ونشر ثقافة الذكاء الاصطناعي بطلاقة لرفع الانتاجية، والثالثة الاستثمار في تحديث أنظمة البيانات الوطنية لضمان الجودة في البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل فعال والاستخدام المسؤول للبيانات، والرابعة دعم وتطوير الإطار التنظيمي الصحيح الذي يضمن نشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وجريء وعادل وخلق أطر نتظمية تضمن الخصوصية وحقوق النشر وتطوير معايير وطنية للاستخدام الذكي.
إقرأ أيضاً: الطاقة النظيفة ضمان لمستقبل مستدام
حتى في أميركا اليوم، تتفاقم الفوارق الاقتصادية والصحية في المجتمعات الريفية التي لا تتوفر فيها إمكانية الوصل إلى الانترنت مما يجعل الفجوة الرقمية كبيرة في المجتمع، ويضعنا أمام حقيقة أنَّ الملايين من السكان (يقدر الخبراء العدد بنحو 18 مليون أميركي) يعيشون في صحارى رقمية، كما يقدر الخبراء أنَّ أكثر من 40 بالمئة من سكان العالم ما زالوا يعيشون في صحارى رقمية، وهذا يضع الدول أمام مسؤولية أخلاقية، وهي ضروة تسليط الضوء على نقاط الضعف في تقاطع التكنولوجيا مع العدالة الاجتماعية وإيجاد الحلول المناسبة لسد الفجوات الرقمية.
ويقول أندرو نج، وهو خبير في الذكاء الاصطناعي، أنَّ "الذكاء الاصطناعي هو الكهرباء الجديدة"، حيث يشبه تأثيره على المجتمع بتأثير الكهرباء، مشيرًا إلى أن هذه الأخيرة حوَّلت الصناعات قبل أكثر من قرن من الزمان، وكذلك فالذكاء الاصطناعي مستعد لإحداث ثورة في الطريقة التي نعيش بها، ونعمل، ونفكر، في مجالات لا حصر لها. ويبدو أنه لكي تصبح عدّاء رقمياً في عالم تقني متسارع، تحتاج لبناء رشاقتك الرقمية.
التعليقات