بعد انتظار دام أكثر من شهر ونصف، صدر بيان عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان يدعو فيه حزبه إلى إلقاء السلاح وإنهاء النزاع المسلح. رغم أهمية هذا التصريح، إلا أن هناك العديد من الشكوك التي تحيط به نظرًا للظروف التي يعيشها أوجلان داخل السجن منذ أكثر من 25 عامًا.
ومن غير المعقول، من وجهة نظري، أن يصدر أوجلان مثل هذا البيان بكامل إرادته، إذ إنه لا يتمتع بحرية التعبير داخل سجنه، وهو يخضع لرقابة صارمة من قبل السلطات التركية. إذا كانت تركيا تريد منحه فرصة حقيقية للتعبير عن موقفه بحرية، كان الأجدر بها أن تسمح له بإلقاء هذا البيان تحت إشراف الأمم المتحدة أو بمشاركة مسؤولين أوروبيين أو ممثلين عن منظمات حقوق الإنسان. فلو كان هناك تدخل من الولايات المتحدة أو من بعض الدول الأوروبية، ربما كان موقف حزب العمال الكردستاني مختلفًا، ولربما وافق على إلقاء سلاحه في إطار اتفاق دولي يضمن حقوق الأكراد.
بلا شك، منذ أكثر من 25 عامًا، يعيش أوجلان في عزلة تامة، بعيدًا عن مجريات الأحداث الإقليمية والعالمية، مثل حرب أوكرانيا أو التغيرات السياسية في الشرق الأوسط. هذا الانقطاع يجعل أي قرار يتخذه محل شك، لأنه قد لا يكون مبنيًا على إدراك حقيقي للأوضاع الراهنة. هناك احتمال قوي أن يكون هذا البيان مدفوعًا برغبة أوجلان في الخروج من السجن أكثر من كونه تعبيرًا عن رؤية استراتيجية لحل النزاع.
إقرأ أيضاً: لماذا يتصدر التافهون المشهد بينما يُهمل المبدعون؟
وفي نظري، من المهم التساؤل عن مدى تأثير هذا البيان على موقف حزب العمال الكردستاني نفسه. فمن دون آليات واضحة لتنفيذ هذا الطلب، يظل من غير الواضح كيف يمكن أن يتجاوب قادة الحزب في جبال قنديل مع هذه الدعوة. كما أن موقف الحكومة التركية من أي مفاوضات مستقبلية سيلعب دورًا رئيسيًا في تحديد مصير هذه المبادرة.
إضافة إلى ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن أي مبادرة تتطلب دعماً إقليمياً ودولياً حقيقياً كي تنجح. فلو كانت هناك مبادرات تدعمها قوى كبرى مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، لربما كان لهذه الخطوة تأثير أكثر فعالية.
إقرأ أيضاً: من القصور إلى أقفاص المحاكم… هذا مصير الفاسدين!
الخلاصة إنَّ بيان أوجلان يفتقر إلى الأسس الواقعية القوية التي تجعله خطوة قابلة للتحقيق، خاصة في ظل غياب أي إشراف دولي يضمن مصداقيته. فلو كان هناك تدخل دولي أو وساطة من قبل الأمم المتحدة أو مسؤولين أوروبيين، لربما أخذت هذه المبادرة منحى أكثر جدية. في ظل الوضع الحالي، من المرجح أن يكون لهذا البيان تأثير محدود على مستقبل القضية الكردية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن هذه الدعوة قد تكون محاولة لفتح باب جديد للمفاوضات، حتى وإن كانت الظروف الحالية لا تضمن نجاحها.
التعليقات