الاستعراض العسكري للدول كما هو معروف استعراض للقوة والتباهي بما هو موجود في ترسانة هذه الدول من معدات عسكرية فعالة، والتلويح للدول الأخرى بمدى جاهزية القوة العسكرية للدولة في مواجهة أي عدوان، وفي كثير من الأحيان يتم استدعاء رؤساء دول أخرى لحضور العرض العسكري كنوع من إظهار القدرة والتفاخر. هذا ما حصل فعلاً في الاستعراض العسكري الصيني الأخير الذي تم فيه استدعاء عدد من رؤساء الدول المهمة للاطلاع على آخر صيحات التكنولوجيا العسكرية الصينية. بعد هذا الاستعراض، علّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قدرة الصين التكنولوجية العسكرية قائلاً إنها دولة صديقة، لإظهار اللامبالاة بما تستعرض به الصين، لكنه بعد يومين فاجأ العالم بتغيير اسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى وزارة الحرب الأميركية، كرد عملي على الاستعراض الصيني.

التسمية الجديدة، وزارة الحرب، تعني وزارة (الدفاع والهجوم)، أي أنَّ أميركا قادرة على الدفاع والهجوم في آن واحد، وهذا تحذير من الطراز الرفيع للصين وللدول التي تعوِّل على الاستعراض الصيني، أي التلويح بالعصا الغليظة لمن يستعرض قوته العسكرية. العالم كله قد عرف ترامب وعرف أميركا بأنها لا تمزح، وإنها إذا قالت فعلت. لكنَّ هذا الردّ لم يكن الوحيد، فقد خرج أحد المحللين العسكريين الكبار ليشرح ماهية السلاح الصيني قائلاً: أي سلاح لا يمكن اعتماده فعلياً في الحروب إلا بخوض معارك حقيقية، بعدها يتم تقييم السلاح، وفي حالة نجاحه بنسبة مئة بالمئة تستطيع الدولة الاستعراض به. وبما أن الصين لم تخض أي معارك حقيقية منذ أكثر من ستة عقود، فسلاحها عملياً يعتبر استعراضاً كرتونياً عديم القيمة، لأنَّ السلاح في أكثر الأحيان لا يثبت فعاليته الحربية إلا بعد تجربته عملياً مع عدو حقيقي.

كلام المحلل العسكري جداً منطقي، لأننا لو أخذنا مثلاً طائرات النقل المدنية الصينية، لحد الآن لم تنل الإجازة الدولية رغم تطورها الكبير، بسبب فشل أكثر من رحلة دولية لهذه الطائرات، فبقيت هذه الطائرات حبيسة الأجواء الصينية، وحتى الدول الصديقة للصين لا تعتمد هذه الطائرات ضمن أساطيلها للنقل الجوي المدني، مع رخص سعرها مقارنة بالطائرات المدنية المصنعة في الدول الغربية. وبقيت الطائرات المدنية الأميركية والأوروبية وحدها تجوب السماء في جميع قارات العالم. ولنأخذ مثالاً آخر حول السيارات النادرة (بورش، فيراري، لامبورغيني وبوغاتي)، فلحد الآن تسعى الصين لتقليدها لكنها فشلت، وما زال رجال الأعمال والأثرياء في الصين يدفعون أضعاف سعر هذه السيارات للحصول عليها من السوق السوداء. وكلنا نعرف أن التكنولوجيا الصناعية الصينية هي تقليد مسروق من الصناعات التكنولوجية الغربية، لذلك من المستحيل أن يكون التقليد كالأصل.

بناءً على ذلك، ستبقى الاستعراضات العسكرية الصينية لإقناع الشعب الصيني وحلفاء الصين بقوة الصين، وتبقى الصين الشعبية أكبر دولة في العالم لتصنيع المواد الصناعية التجارية الاستهلاكية اليومية فقط لعامة الناس ولجميع دول العالم. وأن ماكناتها الصناعية العملاقة التي تنتج هذه المواد غربية المنشأ، وأكثرها تعمل تحت إمرة مالكيها من الجنسيات الغربية داخل الصين، بمعنى أن دور الصين فقط أيدٍ عاملة. فمن يعول على القوة العسكرية الصينية يعيش الوهم في توازن القوى.

الصين نفسها لم تزود أقرب حلفائها بالتكنولوجيا العسكرية الصينية المتقدمة، مخافة من ظهور عيوبها في التطبيق العملي، لذلك تكتفي الصين كباقي الدول الشمولية بالاستعراضات العسكرية. وأخيراً نقول: بالرغم من هذه الاستعراضات العسكرية المهيبة، فإن الصين ما زالت تخشى استرداد جزيرة تايوان التي تدعي عائديتها للصين، ولا يوجد مبرر لخشية الصين سوى عدم ثقتها بسلاحها.