منذ بدايات تأسيسه وإلى يومنا هذا، اعتاد النظام الإيراني على التأكيد على أن أعداءه كثر، وأن المؤامرات والمخططات التي يتم تنفيذها ضده، وبصورة مستمرة، تسعى من أجل إسقاطه. وقد حرص النظام، سواء في تصريحات مسؤوليّه أو في خطب الجمعة التي تخضع لتوجيهات الولي الفقيه علي خامنئي، على ترديد ما ذكرناه بحيث أصبح من المثير للدهشة والتعجب لو لم ترد في تصريحات المسؤولين وخطب الجمعة من قبل ممثلي خامنئي.

الهدف الأهم الذي سعى ويسعى إليه النظام الإيراني هو ضمان بقائه واستمراره ودرء الأخطار والتهديدات والتحديات المحدقة به، وهو من أجل تبرير أخطائه أو تقاعسه عن تلبية مطالب الشعب أو التغطية على فشله في معالجة الأوضاع السلبية القائمة، فإنه وضمن ولعه المفرط بنظرية المؤامرة، وكأنّه كيشوت العصر الحديث، يملأ إيران والعالم صخبًا بكونه منشغلاً بإفشال مؤامرات ومخططات أعدائه وإجهاضها.

لكن، صار من الأمور المسلم بها أن الشعب قد صار يعلم بأن كل ما يزعمه ويدعيه النظام بهذا الصدد، محض كذب وأوهام لا وجود لها في الواقع. بل إن الشعب، عندما قام بترديد شعار "عدونا هنا أمامنا وليس في أميركا أو غيرها"، ولا سيما في انتفاضات أواخر عامي 2017 و2019 و2022، فإنه كان يقصد بالعدو النظام نفسه، وأن كل ما كان يدعيه هو من أجل أهداف خاصة به.

وبنفس طريقة ممارسة الكذب والخداع مع الشعب التي شرحناها آنفًا، فإنه يمارس الخداع والتضليل مع الدول التي ترتاب منه ومن تصرفاته ونشاطاته المشبوهة، فهو متمرس في وضع الخطط والسيناريوهات التمويهية والمخادعة، وذلك من أجل التغطية والتستر على نشاطاته ومخططاته المثيرة للشبهات، وهذا ما يُلمس بوضوح في تدخلاته في بلدان المنطقة وفي أهدافه وغاياته من وراء مساعيه السرية فيما يرتبط ببرنامجه النووي.

المجتمع الدولي عمومًا، والبلدان الغربية خصوصًا، صاروا يعلمون جيدًا أن الثقة والاطمئنان بهذا النظام يعني التغاضي عن دوره ونشاطاته المشبوهة. ومن هنا فقد أصبح هذا النظام يشكل مصدر تهديد للسلام والأمن ليس في المنطقة فحسب، وإنما في العالم كله، ولذلك فإن خيار التصدي له ومواجهة تحركاته المشبوهة صار أمرًا لا مناص منه. وقد تم اتباع أسلوبين من أجل ذلك: الأول هو المفاوضات في ظل العقوبات الدولية حتى يستجيب للمطالب المطلوبة منه، أما الثاني فهو شن الحرب ضده كما حدث في حرب الأيام 12 من أجل ثنيه عن مخططاته المشبوهة وإجباره على قبول المطالب الدولية والعدول عن نهجه العدواني الشرير.

غير أن الأمر الذي بدا واضحًا هو أن كلا الأسلوبين، أو بالاحرى الطريقين، من أجل إرغام النظام على الاستجابة للمطالب الدولية وإقلاعه عن سياساته ونهجه المشبوه، قد فشلا في تحقيق الأهداف المتوخاة منهما، بل والأهم من ذلك أن هناك ما يسبّب الاعتراف من قبل أوساط سياسية وإعلامية دولية بهذا الفشل. لكن الذي يلفت النظر هو أنه، وتزامنًا مع الاعتراف بهذا الفشل، فقد جرى إثارة موضوع كانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من جانب المقاومة الإيرانية، قد أعلنت عنه قبل 21 عامًا من الآن، عندما طرحت الخيار، أو بالاحرى الطريق الثالث، من أجل وضع حد للدور والتأثير السلبي لهذا النظام على إيران نفسها والمنطقة والعالم، وذلك من خلال مساندة ودعم النضال الذي يخوضه الشعب والمقاومة الإيرانية من أجل الحرية وإسقاط النظام. إذ إن إسقاط النظام وإقامة نظام جديد يؤمن بالتعايش السلمي ولإيران غير نووية ومؤمنة بحقوق الإنسان والمرأة، سيكون كافيًا لاستتباب السلام والأمن في المنطقة والعالم.

مريم رجوي: الاعتراف بالبديل الديمقراطي
وفي التجمع والمظاهرة الكبيرة التي أقامتها المقاومة الإيرانية يوم 6 سبتمبر في مدينة بروكسل ببلجيكا، بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، تحدثت السيدة مريم رجوي بكل حزم وقوة عن الحل لمسألة إيران، وهو ما لاقى اهتمامًا وتأييدًا من الحاضرين.

وقالت: "السادة مايك بنس، والدكتور فيدال-كوادراس، وفيرهوفستات، وجون بركو، وباتريك كينيدي، وشخصيات أخرى، متواجدون هنا معنا.

نائب الرئيس الأميركي السابق، مايك بنس، قطع مسافة 5000 ميل من إنديانا في أميركا، قبل ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، للقاء مجاهدي خلق في أشرف 3. أود أن أذكّر ببعض الجمل من خطابه.

لقد قال قبل كل الحروب وإراقة الدماء في المنطقة، وحتى قبل انتفاضة عام 2022 في إيران: 'واحدة من أكبر الأكاذيب التي باعها النظام الحاكم للعالم، هي أنه لا يوجد بديل لإيران. لكن هناك بديل موجود، بديل منظم وكامل الجاهزية'.

وأضاف: 'نظام طهران يريد أن يخدع العالم ليعتقد أن المتظاهرين في إيران يريدون العودة إلى دكتاتورية الشاه. لكنني أريد أن أؤكد لكم أننا لن نُخدع بأكاذيبهم'.

نعم، لو أنهم اعترفوا بالبديل الديمقراطي في ذلك اليوم، لتخلص العالم من شرور الفاشية الدينية في وقت أبكر بكثير، وما كانت هناك حاجة للحروب والأزمات اللاحقة. ولو لم يكن هناك انقلاب آب (أغسطس) 1953 الأسود ضد الدكتور مصدق، ولو لم تتم إعادة الشاه إلى إيران، لما وصل الخميني أبدًا إلى السلطة، ولكان مصير إيران والمنطقة مختلفًا تمامًا".