"حل الدولتين هو الحل"؛ عبارة قالها الرئيس التونسي الراحل (الحبيب بورقيبة) في أحد مؤتمرات القمة العربية قبل أكثر من خمسة عقود، وأضاف حينها: "أخشى أن يأتي اليوم الذي نندم فيه برفضنا مقترح حل الدولتين". فكرة مقترح حل الدولتين ظهرت بعد حرب الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967 بين الدول العربية وإسرائيل، وهو مقترح أميركا والدول الغربية بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي والذي ينص على القبول بدولتين فلسطينية وإسرائيلية جنباً إلى جنب بشرط اعتراف الدول العربية وفلسطين بدولة إسرائيل على أن تكون حدود تلك الدولتين هي حدود ما قبل حرب حزيران (يونيو) 1967.

هذا المقترح لاقى قبولاً ضمنياً عند الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنَّ تركيا وإيران في زمن الشاه، وتقيمان علاقات دبلوماسية واعترافاً بإسرائيل، حرضتا الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية على القبول بالمقترح مع عدم الاعتراف بدولة إسرائيل، على اعتبار ذلك تجاوزاً لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، فقامتا بتحرك سريع ومشاورات مع الدول العربية بعدم الانصياع للمؤامرة التي صاغتها أميركا والدول الأوروبية الغربية، ثم تبعتها تظاهرات جماهيرية كبيرة في الدول العربية بتحريض من التنظيمات الإسلامية والقومية العربية رفضاً للمقترح. فعلاً فشل المقترح في نيل رضا الدول العربية فبقيت الأمور معلقة.

اليوم، بعد مرور قرابة الستة عقود على ذلك المقترح يعاد طرح المقترح من جديد، لكن هذه المرة إسرائيل هي من ترفض القرار وتطالب بتعديلات عليه وتسمى هذه التعديلات "تعديلات أرض الواقع" والأخذ بنظر الاعتبار نتائج الحروب التي خاضتها إسرائيل مع جيرانها. هنا تعقدت المشكلة كما توقع ذلك الرئيس التونسي الراحل، فلم يعد بالإمكان حل الدولتين إلا بمقترح جديد، وهذا التعديل الإسرائيلي لا يمكن قبوله على الأقل في الوقت الراهن. لذلك عمدت بعض الدول العربية على إقامة معاهدات سلام مع إسرائيل منفردة للتخلص من شرور إسرائيل والاندماج بالمجتمع الدولي، وبنفس الوقت الوقوف خلف الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه التاريخية.

حالياً غالبية الدول العربية تسعى لحل الدولتين والاعتراف بدولة إسرائيل، لكن جميع التنظيمات والحركات الإسلامية المدعومة من تركيا وإيران تقبل بحل الدولتين مقابل عدم الاعتراف بدولة إسرائيل، وكأن التاريخ يعيد نفسه. الحقيقة التي انكشفت للجميع أن الصراع العربي الإسرائيلي المستمر يصب في خدمة الأطماع التوسعية التركية والإيرانية، فنرى بوضوح كيف أصبحت بعض العواصم العربية مسرحاً للأطماع والمصالح الخاصة بهاتين الدولتين.

على الدول العربية أن تتوحد بصيغة جديدة تنهي هذا الصراع الذي دمر الشعب الفلسطيني وتنقذ هذا الشعب من تبعات الحروب التي فيها الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني. إن عملية إبعاد الشعب الفلسطيني عن تدخلات الدول الخارجية ضمانة مؤكدة لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه وبناء دولته والتعايش السلمي مع الشعب اليهودي، ولا يصح المزيد من القتل والتهجير.

ختاماً لا بد من القول إن السلام أصبح مطلباً شعبياً ملحاً خاصة بعد الكوارث التي حلت ببعض الدول العربية إضافة إلى الكوارث التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة اختلاف موازين القوى لصالح إسرائيل بشكل لا يقبل الشك.