في عالم الأرواح، حيث تسمو النفوس البشرية وتتجاوز حدود الزمان والمكان وتدور في فلك المنظومات الشمسية والمجرات الكونية، كان هناك اتفاق مقدّس بيننا وبين الملأ الأعلى في السماوات العُلى؛ فقد اتفقنا على مدة مكوثنا في عالم الدنيا، فمنّا من اختار أن يعيش ثلاثين عامًا، ومنّا من اختار ستينًا، وآخرون فضّلوا سبعينًا أو أكثر؛ كلٌّ منّا كان له اختياره بناءً على رغبته في الترقي الروحي وتعميق الوعي الكوني في عالم الدنيا والعودة إلى ذلك العالم العلوي من جديد؛ وأقرّ الجميع بهذا الاتفاق الدنيوي.
لكن بعض الأرواح، وبدافع الطموح والرغبة في الاستزادة من الخبرات الروحية، طلبت من المهندس الأكبر، والمولى الأعظم، والملأ الأعلى، أن تُمنح فرصة أخرى للهبوط إلى عالم الدنيا؛ إذ أرادت هذه الأرواح أن تخوض تجربة جديدة، تُعيد فيها صياغة قواها الروحية وتعميق فهمها للحياة والوجود؛ وبعد نقاش طويل مع الملأ الأعلى، وُفِّقت هذه الأرواح في نيل فرصة أخرى للهبوط إلى الأرض.
ولكن، ما إن وصلت هذه الأرواح إلى عالم الدنيا، حتى صُدمت بصعوبة الحياة ومشاقّها؛ إذ واجهت ألوانًا من العذابات والابتلاءات التي لم تكن تتوقعها؛ بعضها تحمّل وصبر، بينما لم يستطع البعض الآخر تحمّل هذه الصعوبات، فقرّروا فسخ العقد الذي أبرموه في العالم الآخر ومن طرف واحد؛ إذ اختاروا إنهاء حياتهم قبل الأوان والموعد المقرّر، مخالفين بذلك العهد الذي قطعوه على أنفسهم من قبل.
هذا الفعل، وهو الانتحار، كان بمثابة نقض للإقرار الذي أُبرم في العالم العلوي؛ فبدلًا من أن يعيشوا الخمسين عامًا التي اتفقوا عليها، قرروا إنهاء حياتهم في الثلاثين؛ وبذلك استحقّوا العقاب لأنهم خالفوا الميثاق ونقضوا العهد؛ وأرواح هؤلاء تُعاد إليها التجربة مرة أخرى، حتى تتمكن من الارتقاء روحيًا وتلحق بنظرائها الذين صبروا وأكملوا مسيرتهم في عالم الدنيا.
فالحياة، وبالرغم من كونها مليئة بالتحديات، هي فرصة للترقي والنمو الروحي؛ ومن ينقض العهد ويختار الهروب، فإنه يعيد التجربة إلى نقطة البداية، حتى يتعلم الصبر ويحقق الغاية من وجوده.















التعليقات