أعرب جزائريوquot;فايسبوكquot; وquot;تويترquot; عن ابتهاج كبير بخلع الرئيس التونسي السابق quot;زين العابدين بن عليquot;، وحملت مختلف مداخلات هؤلاء أملاً مضاعفًا في (تصحيح) الأوضاع، ووصول رسائل quot;العدوى التونسيةquot; إلى من يعنيهم الأمر. وفي هذا المسح الذي أجرته quot;إيلافquot; لما حفل به كل من فايسبوك وتويتر خلال الـ48 ساعة المنقضية، يعتبر رواد الشبكتين أنّ راهن تونس بارقة أمل، وحراك يدفع لتكريس ثقافة التغيير.


الجزائر: يتفاعل قطاع واسع من جزائريي فايسبوك وتويتر مع ما يحصل في تونس، ومثلما يتابعون بقلق ما يلفّ تطور الأوضاع هناك، عبّر هؤلاء بكيفيات متقاربة عن مؤدى اللحظة التونسية التاريخية وما قد تفجره من هزات ارتدادية في المنطقة العربية.

تقول سهام: quot;ما حدث في تونس أمر مشجّع ومحفّزquot;، فيما تعتبر زينب أنّ أبناء قرطاج أكّدوا مرة أخرى أنّ الشعوب مثل الماء، تجد مجراها وسبل ينابيعها للتنفس والارتواء، بينما ذهبت نادية إلى أنّ التونسيين اختصروا قرونا ضوئية من الظلم والاستبداد، وأكّدوا أنّ إرادة الشعوب هي quot;القدر المحتومquot;.

من جانبه، يبرز هشام أنّ كل الأوصاف الوردية الدعائية لنموذج الحكم التونسي تحت إمرة بن علي، انصهرت تحت مفعول الغليان الشعبي وجعلت باريس في حرج كبير، تبعا لكونها أكبر من روّج لـ23 عاما و67 يومًا من حقبة الرئيس المخلوع، حتى أن خطاب الأخير ساعات قبل فراره ذكّر كل الجزائريين بالخطاب الشهير للجنرال الفرنسي quot;شارل ديغولquot; قبل نحو نصف قرن، عندما خاطبهم بالقول quot;لقد فهمتكم!quot;.

تونسيون على طول الخط

يقول سعيد:quot; منذ الذي حدث، وأنا شغوف بما يحدث في تونس، لكني أرفض حملة التشويش على مرحلة ما بعد الرابع عشر يناير، وكم يكون جميلا لو يجنح التونسيون إلى توحيد قواهم لردع الخفافيش والتأسيس لمرحلة جديدة تكون بالجميع وللجميعquot;.

وتتمنى زليخة أن تصاب بلدها بـquot;العدوى التونسيةquot; علّ وعسى تتغير الأوضاع ويتّم تصنيع ما يسميه (نيو-لوك) جديد، بعيدًا عن التشدد الذي وظّفته مجموعات المتشددين في الجزائر إبان العشرية الحمراء، وعلى المنوال ذاته يتصور مصطفى أنّ وضع تونس صحي، طالما أنّها تحتضن مواطنين من طراز خاص حملوا هموم أمتهم وجسّدوا نبل مبادئ التغيير السلمي.

كما يرفع كريم، رمزي وحليمة أصواتهم عاليا: quot;يا ليت يكون العرب جميعهم كالتونسيين، فهؤلاء باتوا قدوة لـ(تصحيح) الأوضاع في بلادهم والتفاعل الايجابي مع قضايا أوطانهم، من حيث تلقينهم دروسا في الثبات والتضحية رغم رزايا المحن بما توّجهم quot;درع التغييرquot; وتذوق طعمه.

مطالبات تعلو عن البطن وتتجاوز التخريب

يُعلم quot;كمالquot; الرأي العام العالمي أنّ مطالب الجزائريين في جزائر الألفية الثالثة تعلو عن حاجيات البطن، تتعدى الزيت والسكر والقمح بنوعيه، وتتجاوز التخريب والحرق العشوائي للمؤسسات الإنتاجية والخدمية.

ويبرز كمال أنّ مطالب مواطنيه تكمن في: احترام قيم الجمهورية والدستور والمؤسسات، فتح المجال السياسي والإعلامي، الاعتراف بالحوار وحق الاختلاف في الرأي، حق المواطنة، احترام حقوق الإنسان ورفع السلطة يدها عن قانون الإشهار الذي شوه التجربة الإعلامية، تفعيل دور البرلمان واسترجاع دوره في التشريع والرقابة ، وإيقاف التداول على الحكومة بين أشخاص لا يمثلون كل الحساسيات السياسية.

ولا يتمنى كمال إمكانية تكرار ما يحدث على الأراضي التونسية في بلاده، رغم ما يكابده الجزائريون اليوم من اكتئاب ويأس واحتقان غير مسبوق، ملفتا أنّ الجزائر عانت كثيرا من المؤامرات والصراعات الدموية ويكفيها ما سال من دماء، حتى وإن كان التشابه بين النظام التونسي والجزائري كبير في العمر (50 سنة من الاستحواذ على السلطة)، والسلوكيات القمعية المستهترة بشعبيهما، مثل الانفراد بالقرارات المصيرية العشوائية، وتشجيع الرداءة والفساد والمحاباة والزبائنية والحاشية على حساب الخبرات والكفاءات وسائر الفعاليات.

وفي وقت يوعز كمال إنّ الشعوب المغاربية تصرخ كلها الآن بصوت واحد:quot;50 سنة بركات .. يكفي .. بزاف .. يزّيناquot;، يعتبر رشيد أنّ استنساخ السيناريو التونسي يكتسي سمة إيجابية تدفع باتجاه الكمال ولا ينطوي على سوالب مثلما يعتقد البعض، مؤكدا مناصرته تسويق السيناريو التونسي عبر كل البلاد العربية، لأنّ ذلك سيحول بحسبه دون تمرير الخطط الأمريكية والإسرائيلية المشبوهة.

ويؤيد بلال وشوقي بقولهما أنّ همّة الشارع التونسي أيقظت همم العرب، وألهبت حسهم وحماستهم، بعد أن ظلت الشعوب العربية تعاني من الركود والتذبذب، ورسخت الصور السلبية لأنظمة تعاني من السلبية والخضوع، في حين تردف كريمة: quot;لن نرضى باستمرار استعمالنا كقطع ديكور في مسرحية باهتةquot;.

بالمقابل، يرفض رضا، علي وعثمان استنساخ المشهد التونسي في بلادهم، جازمين:quot;يكفينا ما اكتوينا به إبان سنوات العنف الدمويquot;، وهو ما يشاطره جعفر ووسيم:quot;بالإمكان انتهاج تكتيك مغاير غير التصعيد، الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أنّ الجزائر ليست بحاجة إلى زوابع تنتجها أو تستوردها حتى تحل معضلاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هي بحاجة إلى حوار منتج وعمل بنّاء يقطع دابر الانتهازيين والمافيوزيين وكذا الأعداء الحقيقيينquot;، وليس إسقاط نظام الحكم بحسبهما، من سيضع النقاط على الحروف، ويحترز جعفر ووسيم من كون حدوث ذلك سيؤدي إلى مفسدة أكبر.

ورغم اعترافه بكون العدوى موجودة بحكم تموقع الفايسبوك كفزّاعة، ينأى هيثم بالوضع في الجزائر عن تونس، مسجلا أنّه مختلف من الجانبين المالي والاجتماعي، ويركّز على أنّ الجزائر تشكو سوء تسيير إداري وتعطيل لملفات الاستثمار أكثر من مشكلة الموارد، ولعلّ هذا ما يفسّر بشكل ما زهد كثير من الفئات لم تجد حاجة للخروج في المظاهرات الأخيرة، على غرار قطاع من الشباب يختلفون عن نظرائهم كثيرا من الناحية النفسية إذا شعروا بالاكتفاء.

سيناريو مفبرك

يشير الكاتب quot;كمال قرورquot; إلى كون مظاهرات الجزائريين الأخيرة quot;سيناريو مفبركquot; بين مافيا الاحتكار وحكومة عاجزة عن وضع إستراتيجية اقتصادية تستجيب لمطامح شعبها، لذلك يشدّد قرور على أنّ تلك المظاهرات لم تكن تمثل المطالب الحقيقية للجزائريين بكل فئاتهم، والذين كانوا وراءها وأرادوها من أجل تحقيق مآربهم ومنافعهم، لذلك شوهد مراهقون يقومون باستعراضات تخريبية للمؤسسات العامة والخاصة، بشكل مشابه لأفلام الأكشن، وعلى نحو مجرّد من أي شعارات أو مطالب معينة.

ويشدد قرور على أنّ طموح الأجيال الجديدة أكبر من طموح سلطها وحكامها والمتحكمين في مصائرها، وهذه الأجيال المكسورة الجناح، غير قادرة على الابداع والتفكير والعمل فغرقت - هروبا من واقعها المؤلم عارها- الى المخدرات والجريمة والانتحار والحرقة.

ويحيل قرور إلى أنّ الفوارق التطبيقية في جزائر 2011 أصبحت صارخة، لأنّ المراحل الانتقالية خسفت بالكفاءات وسمحت للمتملقين والراشين والفاسدين أن يتغلغلوا في دواليب الدولة ومفاصل الاقتصاد ليحققوا منافع خاصة على حساب الشعب المهمش، ويوقن قرور أنّه إذا لم تفهم السلطة في الجزائر مطالب الجزائريين الحقيقية وتسارع إلى فتح قنوات حوار ونقاش حول مشروع مجتمع واعد يحدد مصير البلاد، فإنها ستفوت فرصة التصالح مع شعبها.

ويستطرد قرور: quot;إذا كان أصحاب القرار والحاشية أوهموا الرئيس بوتفليقة من خلال تقاريرهم، أنّ الأمور لا تعدو أن تكون معوية، أبطالها بعض المراهقين البطّالين وأبناء المدارس الفاشلين، وأنّ الأمور تحت السيطرة، فإنهم قد قضوا على آخر فرصة لفهم الشعب الجزائري والاستجابة سلميا لمطالبه المشروعة في رحاب مصالحة تنتصر للنقد الذاتي وتفعّل الطاقات والكفاءات وتشجّع الاستثمار الحقيقي للرقي بالمجتمع نحو الديمقراطية والعدالة والمواطنة.