رغم رحيله عن عالمنا قبل ما يزيد عن ستة عقود، إلا أن العبقرية والتطلعات المستقبلية التي كان يتميز بها المحامي وأمين المكتبة البلجيكي، بول أوتليت، كانت ملفتة وسابقة لعصرها، والدليل على ذلك أن النظام المعقد الذي سبق له تدشينه بغية فهرسة المعلومات يُنظَر إليه اليوم باعتباره نسخة تناظرية لمحرك البحث الشهير غوغل.


عبقرية بول أوتليت كانت سابقة لعصرها ومهدت لمحرك البحث الشهير غوغل

أشرف أبوجلالة من القاهرة: أشارت مجلة دير شبيغل الألمانية إلى أن أول محرك بحث تم تدشينه في العالم، والذي تم تصنيعه من خشب وورق، كان يتكون أساساً من صفوف لخزانات لونها بني داكن بطول قامة الأشخاص نفسه، وفيها صناديق وبطاقات فهرس.

ونقلت المجلة هنا عن جاك غيلين، أمين الأرشيف في مؤسسة quot;Mundaneumquot; التي كانت تدير هذا الفهرس الضخم في عشرينات القرن الماضي، وهو يمسك بيده مقبض إحدى الخزانات، قوله quot;يوجد هنا 60 مليون بطاقة فهرسquot;.

ونظراً إلى كثرة تداول الخطابات والبرقيات الورقية في ذلك الوقت، كانت هناك حاجة لوسيلة تفهرسهم وتخزنهم بصورة يدوية، وهي العملية التي كانت تستغرق بضعة أسابيع أحياناً.

من هنا، جاءت فكرة المشروع، الذي كان أشبه بمحرك بحث ورقي، لكن جرى تطويره قبل عصر الإنترنت بعشرات السنين، وبلا حواسيب. وقد سعى أوتليت ndash; الذي ينتمي إلى أسرة ثرية ndash; إلى رسم خريطة لمعرفة العالم والمحافظة عليها في خزائنه الخشبية.

كما كان له السبق في القيام بجمع كل الكتب التي تم نشرها وربطها كلها باستخدام نظام أرشيفي طوره بنفسه. وبينما كان يسحب غيلين بطاقة فهرس من إحدى الصناديق الموجودة في هذا الفهرس العملاق، لوحظ تدوين مجموعة من المعلومات عليه بشأن الكتاب الذي تشير إليه البطاقة.

اتفق كثير من الباحثين الجدد أنه، وعن طريق ذلك النظام الأرشيفي، الذي تم تطويره قبل كل هذه السنوات، نجح أوتليت في اختراع شبكة هايبرتكست (تقنية النص المترابط)، وهي شبكة الروابط التي تساعدنا على التنقل في أنحاء شبكة الإنترنت كافة اليوم. وعاود غلين يقول quot;يمكنك القول إن أوتليت واحد من الرواد الأوائل الذين فكروا في اختراع الإنترنتquot;.

بول أوتليت

ولفتت دير شبيغل إلى أن أوتليت طور أولاً فكرة المعرفة العالمية quot;الشبكةquot; عام 1934. وفي وقت كان فيه التلفزيون والراديو لا يزالا في مهدهما، حاول تطوير مفاهيم وسائط متعددة لتحسين فرص التعاون بين الباحثين.

وقد استعان في هذا الصدد ببطاقات فهرس وتليفونات ومعدات أخرى لتقريب ما هو ممكن اليوم مع أي جهاز كمبيوتر.

بطريقة مماثلة، وبدون مساعدة معالجة البيانات الإلكترونية، قام أوتليت بتطوير أفكار نعرف تطبيقاتها اليوم بأسماء منها ويب 2.0 وويكيبيديا.

ومع هذا، توارى اسم أوتليت ومجهوداته في عالم النسيان بصورة كبيرة. وبالنسبة إلى الأرشيف الذي عكف على تطويره أوتليت وزميله، هنري لا فونتين، الذي فاز بعد ذلك بجائزة نوبل للسلام، منذ العام 1895، فلم يكن يحتوي على كتب فحسب، بل كان يضم أيضاً عدداً لا يحصى من الصحف والملصقات وأكثر من 200 ألف بطاقة بريدية، وكذلك عينات من كل شيء بدءًا من الطائرات وحتى التليفونات.

وكان أوتليت وزملاؤه على قناعة بأن التشتت العالمي للمعرفة من الممكن أن يعزز السلام. وتحقيقاً لهذه الغايات، عملوا في صورة تعاون وثيق مع العديد من المؤسسات البحثية الأخرى في الخارج.

إلى جانب شغفه بالاقتناء، حاول أوتليت أن يصل إلى أفكار تعينه على نشر المعرفة بعيداً عن دنيا الورق. وهو ما كان يجعله متطلع دائماً إلى إيجاد وسيلة وسيطة تغني عن الكتب التي تشغل حيزاً من الفراغ. وكان يأمل أوتليت أن ينجح في استخدام الصوت والصورة لنقل المعلومات بشكل أسرع وبكم أكبر وبصورة أكثر سهولة.

وقام أوتليت بتجميع كل هذه الأفكار في كتاب خاص به مكون من 400 صفحة. وتابع غيلين حديثه مع المجلة بكشفه عن مفاجأة، حيث قال quot;وجدنا أخيراً نصاً مكتوباً عام 1907، وكان يتحدث فيه أوتليت عن الهواتف المحمولةquot;. وأشارت المجلة من جهتها إلى أن أوتليت كان يدرك أنه سيكون من الممكن بالنسبة إلى أي شخص جالس في منزله أن يصل إلى الحالة الراهنة للمعرفة العالمية.

وعلى الرغم من تلك الأفكار الحالمة، إلا أن مشروع أوتليت تعرض لضربة موجعة عام 1934، عندما أُجبِر على الإغلاق بعدما فقد داعموه الماليون في الحكومة البلجيكية اهتمامهم به.

والآن، وبعد مرور أكثر من 60 عاماً على وفاته، تحول الكثير من أفكار أوتليت إلى حقيقة، وبدأ يولي الباحثون وخبراء الإنترنت اهتماماً بأفكاره عن quot;الدماغ الميكانيكيquot;.

وختمت المجلة بقولها إن الشبكة التي سبق وأن اقترحها أوتليت فاقت بكثير شبكة الويب العالمية ببنيتها الخاصة بتقنية النص المترابط quot;هايبرتكستquot;. واتفق كثير من الخبراء على أن فكرة أوتليت تُظهِر العديد من المتوازيات لمفهوم quot;الشبكة الدلاليةquot;، التي تهدف إلى تمكين الحواسيب من الاستفادة من المعنى الفعلي للبيانات والسماح لها بتفسير المعلومات ومعالجتها تلقائياً.