أعرف أننى سأغرد خارج السرب، ولأن أحدا لم يفعلها وهى حتمية فأنا متطوع لها. الحق الذى أقصده أنه ورغم مآسى أقباط مصر إلا أن الأمور ليست بذلك السواد الذى تبدو عليه. لا أريد بأهل مصر الاقباط أن يجتروا شكاواهم ويستنسخوها بحذافيرها عند كل حادثة حتى وإن إختلفت معطياتها. أبرأ بأهلى الأقباط فى الداخل والخارج أن يغشى عيونهم الغضب وطول القهر فلا يرون إلا سوادا أو بياضا حين الأمر فيه البين بين. أزعم وبأدلة أن الحكومة المصرية قد إلتفتت لشكاوى الأقباط المصريين وأنها ndash;الحكومة- تتخذ من الخطوات ما لا يمكن إنكاره لرفع الظلم من على كاهل القبط. أيضا أزعم أن على الأقباط فى الداخل وبالأخص فى الخارج تغيير خطابهم ليتطور صعودا وهبوطا مع كل تحرك للدولة المصرية صوب حل المشكلة القبطية فى مصر. فمن غير المعقول ولا من المقبول أن يتخشب الخطاب القبطى تجاه الدولة ولا يبارح مكانه إن سلكت سلوكا حسنا كما لو تآمرت وتواطئت على أكل حقوق الأقباط.

لا أريد أن أعدد خطوات الدولة المصرية نحو القضاء على شكوى الأقباط من تآكل حقوقهم كمواطنين، أو على الأقل تخفيف حدة المشكلة. ولكننا نرصد فى ذلك الإتجاه خطوات عدة، ليس من بينها تعيين محافظ قبطى أو وضع ملف ترميم الكنائس فى يد المحافظين أو شىء من تلك الخطوات المحدودة معدومة القيمة والتى لربما تمنح اليوم وتحجب غدا. وإنما نرصد خطوات حقيقية تنبىء عن توجه الدولة لحلول فعلا جذرية تتجه نحو تفعيل حقوق الأقباط فى وطنهم مصر. أول تلك الخطوات هى تحييد الإعلام قدر الإمكان ويمكن رصد توقف الإعلام عن سب عقيدة الأقباط وهو السلوك الذى كان يصعب أن ترى عددا من صحيفة أو برنامج تلفزيونى يخلو منه. بل وأكثر من ذلك أفسح المجال لأقباط الداخل والخارج أيضا للصراخ بشكواهم، ومع إحترامى للأستاذ الإبراشى وغيره من الإعلاميين ممن أفسحوا للأقباط المجال فى ذلك، لا أظن أحدا منهم كان يستطيع أن يفعل ذلك ضد إرادة الحكومة المصرية. أيضا لا أظن إطلاقا أن الأستاذ كمال أبو المجد قد حضر لسويسرا وقابل كبير أقباط المهجر بمبادرة شخصية منه من دون توجيه سياسى. أيضا نزول محافظ الإسكندرية للشعب القبطى من أجل مقتل أحد الأقباط هو سلوك لم يكن يحدث عادة، حتى وإن كان أخطأ فى تصريحه المتعجل بأن القاتل مختل عقليا. وبالمناسبة أظن أن القاتل فعلا مختل عقلى ولكن كان على السيد المحافظ أن يكون أكثر حصافة وكان يكفيه عندئذ أن يستنكر الفعلة وأن يعد بأن الدولة لن تتهاون مع من فعل ومع من ساعد أو حرض. على أى الأحوال فإن المشكلة القبطية هى نتيجة تراكمات سنوات طويلة من الأخطاء السياسية معروف من المسؤول عنها، ولكن الأقباط وكما ألح دائما ليسوا فى وارد المحاسبة والثأر وإنما فى طريق المطالبة بالحقوق ورفع الظلم. وهذا يأخذنا للقسم التالى من المقال.

كما قلنا أن المشكلة القبطية هى نتاج سنوات من الأخطاء السياسية. كانت الحكومة خلال تلك السنوات تزايد على المتأسلمين بمزيد من التطرف الدينى، حتى صار المراقب لا يعرف كيف يميز بين المتطرف والمعتدل، أوفلنقل لم يعد معتدل إلا ثلة من المفكرين والسياسيين يعدون على أصابع اليد الواحدة. للأسف لن يمكن القضاء على نتاج تلك السياسة الخاطئة إلا خلال فترة طويلة نسبيا. كنت من سنوات قد كتبت مقال عن كيف تصنع إرهابيا فى خمس ساعات، وفيما قلت أنك تحتاج خمس سنوات لإصلاح إرهابى ولا زلت أرى ذلك صحيحا. المقصود أن جهود الدولة لإزالة الإحتقان الطائفى والعنصرية المرذولة التى إستحكمت فى ثنايا المجتمع والحكومة المصرية تحتاج إلى وقت للشفاء منها. كل ما ينبغى على الأقباط التأكيد عليه فى هذه المرحلة هو أن تتوافر الإرادة السياسية ndash;العليا- لكى تحل مشكلة الأقباط، وفى إتجاه هذا فليدفع الناشطون.

عادل حزين
نيويورك
[email protected]