أشعر بالتعاطف مع معاناة المسيحيين الذين يعيشون في البلاد العربية، وأتفهم الكثير من دواعي غضبهم، وعلينا نحن المسلمين الاعتراف أن المسيحيين لم تكن حياتهم مريحة بيننا بسبب افتقار المجتمعات العربية الى ثقافة احترام الآخر المختلف.

فمنذ قيام الجيوش الاسلامية بغزو البلاد العربية التي كانت تدين بالديانة المسيحية، شعر المسيحيون بثقل وطأة المستعمر الذي أباح لنفسه إخضاع الآخر لهيمنته، وسلب خيرات بلاده، وسبي وأغتصاب نسائه... ولنا ان نتخيل مشاعر الالم التي يشعر بها المسيحي وهو ابن البلد منذ آلاف السنين حينما يسمع من أغلب المسلمين يصفونه: بالكافر النجس منذ أكثر من ألف عام ولغاية اللحظة الراهنة!!

ولكن مع كل هذه المعاناة... فهي لاتبرر مطلقاً رد الفعل العدواني ضد العقيدة الاسلامية، وعموم المسلمين من قبل المسيحيين، وخصوصاً الاقباط المصريين مثلما هو حاصل الآن في غرف الدردشة البالتاك في الغرفة الخاصة بالاقباط الذين تتمحور أحاديثهم كل يوم حول:

- شتم إله المسلمين بكلمات بذيئة.
- شتم القرآن بكلمات بذيئة.
- شتم شخص الرسول محمد بكلمات بذيئة.

والتشكيك الدائم بأصل العقيدة الاسلامية، والنظر اليها باعتبارها عقيدة ملفقة وغير حقيقية!!

أحد أخطر أخطاء الانسان الازلية.. هي السقوط في وهم احتكار الحقيقة والايمان، والذي ينتج عنه تجاهل بديهية نسبية المعرفة والايمان، وإلغاء الاخر المختلف وعدم الاعتراف به، وقد يتطور الامر الى نشوب الحروب الدينية بسبب أوهام احتكار الايمان والحقيقة... وصفحات التاريخ مملوءة منذ الازل بأحداث الحروب الدينية الغبية، ولعل آخرها الاعمال الاجرامية التي تقوم بها جماعة إبن لادن، والمشاكل المستمرة بين شطري ايرلندا المسيحية.

المثير للغرابة هو إعطاء الانسان هذا الكائن الضعيف الحق لنفسه الدفاع عن الله القادر على كل شيء، فصورة الله مشوهة في أذهان المتعصبين والارهابيين الذين يصورونه على شكل اله ضعيف مسكين بحاجة الى مساعدة الانسان للدفاع عنه وعن وعقائده تحت ذريعة الجهاد لدى المسلمين، والتبشير لدى المسيحيين!

إن مايقوم به الاقباط من شتم يومي للاسلام والمسلمين هو بالضد من مباديء حقوق الانسان في حرية الاعتقاد، وهم يقعون في خطأ كبير عندما ينسبون الانحرافات الاخلاقية، والتخلف الحضاري للمجتمعات الاسلامية الى العقيدة الاسلامية، فالاعمال الاجرامية التي تصدر عن المسلمين كالارهاب وغيره، هي سلوك منحرف مجال بحثه ومعالجته الطب النفسي، وعلم النفس، وليست له علاقة بالدين الذي يوظف كغطاء لممارسة النوازع المنحرفة.

وهذا التفريق بين الانحرافات الاخلاقية التي هي موجودة في جميع المجتمعات في كل مكان وزمان بغض النظر عن ديانتها، هو الذي يمنعنا من اتهام المسيحية وتحميلها مسؤولية جرائم هتلر المسيحي، وستالين المسيحي، وتخلف قارة إفريقيا التي يعتنق الاكثرية فيها المسيحية، ويصل التخلف فيها الى درجة وجود قبائل تأكل لحوم البشر.

إن مايريده منا الله تعالى هو مغادرة المسميات الدينية والانتماء لفكرة الله،و معنى الدين وآفاقه الواسعة التي تتخطى كل المسميات الدينية، والاسبقيات التاريخية للاديان، وإختلاف التفاسير، والتأويلات، والايديولوجيات... كي تصل الى مبدأ الاخوة الانسانية بين البشر بعيداً عن إختلاف معتقداتهم.

[email protected]