عبد الرحمن مصطفى: مجموعة من الأصدقاء يجلسون على أحد المقاهي بوسط القاهرة، صحفيين ومصورين وناشطين سياسيين، الأجواء قد تبدو تقليدية في أول أيام عيد الفطر..فجأة تأتي أخبار عن حالات تحرش بفتيات أمام إحدى السينمات الشهيرة بوسط القاهرة، لاإراديا ينطلق الجميع لمتابعة ما يجري هناك، يأخذ بعضهم صورا للمشاهد النادرة، الفتيات كن يتعرضن لتحرشات جنسية عنيفة وحولهم مئات من الشباب المتسكع، كان طوق النجاة الوحيد هو المحال التجارية التي قام أصحابها بإدخال الفتيات إليها لحمايتهن من الشباب الطائش، بعض أصحاب المحال تدخلوا أيضا برش المياه والتصدي للشباب المعتدي على أعراض الفتيات، المشهد لم يكن يحمل معه أي بهجة من أجواء العيد، وكان بالإمكان أن يمر مرور الكرام، لولا قرار هؤلاء الأصدقاء الذين شهدوا تلك الحوادث أن يكتبوا عنها، وأن ينشروا ذلك على الانترنت، ليلقوا بقنبلة عنقودية فجرت العديد من الكتابات والنقاشات حول تلك القضية وتوابعها، أما الصور المأخوذة فقد دونها أحدهم وهو وائل عباس في مدونته quot;جريدة الوعي المصريquot;، إلى جانب أن صورا أخرى قد عرفت طريقها للصحف في وقت لاحق.شعار حملة الكترونية
لتجميع شهادات التحرش الجنسي
كانت شهادة مالك مصطفى المسجلة في مدونته quot;مالكوم إكسquot; تحت عنوان quot;سعار وسط المدينة الجنسيquot; هي أشهر ما كتب عن تلك الحوادث المؤسفة، وكانت سببا في أن يكتب عشرات الشباب في مدوناتهم ndash; صفحاتهم على الانترنت- تعليقات على تلك الحوادث، وأصبحت قضية التحرش الجنسي هي الشغل الشاغل للعديد من المدونات، بعض الفتيات حكوا عن تحرشات تعرضن لها أو كن شهود عليها في فترات سابقة، وكذلك سجل بعض الشباب تعليقاتهم وشهاداتهم على مسألة التحرش الجنسي، وخصوصا على تلك الحادثة المصورة.
من داخل تلك الأجواء السوداوية، خرجت بعض الكتابات تعارض حالة الهلع التي أصابت زوار الانترنت من المدونين بسبب وصف تلك الحوادث، كان المهندس المصري أحمد شقير (41عاما) أحد هؤلاء، وكتب من السعودية في مدونته quot;حكاوي آخر الليلquot; مساهمة بعنوان quot; كفانا تهويلquot; ناقدا تناول مالك مصطفى وأصدقاؤه لحوادث التحرشات التي جرت بوسط المدينة، مشيرا إلى أن ما كتبوه كان يحوي شيئا من المبالغة .
القصة لم تقف عند هذا الحد.. بل انتقلت سريعا إلى المنتديات الالكترونية، خصوصا التي تحفل بأعضاء مصريين، وهناك كانت ردود الأفعال أعمق، فبعض زوار المنتديات ليسوا على علم كاف بالمدونات وأصحابها أو أهدافهم من التدوين، في أحد تلك المنتديات كان الصحفي الشاب حسام دياب قد اعد تقريرا يحوي شهادات أصحاب المحال التجارية التي كانت قريبة من موقع تلك الحوادث، ويقول حسام quot;عندما قرأت على مدونة مالكوم ما جرى في وسط البلد، داهمتني الحيرة كالكثير ممن تابعوا معي وقائع الأمر، وعلى الفور وقبل فقدان الحماس، كان الكاسيت والبوك نوت والقلم في جيبي وانطلقت إلى المنطقة، لأنه لابد أن يكون هناك شهود من البارحة على أمر بشع كهذا..quot;.
وسجل حسام في تقريره أن أصحاب المحال التجارية قد أكدوا له حدوث انتهاكات وتحرشات لبعض الفتيات بالفعل.
لم يكن حسام وحده الذي اهتم بسؤال أصحاب المحال التجارية، quot;دولليquot; إحدى عضوات منتدى آخر، سجلت شهادتها وأكدت أن قراءتها عن تلك التحرشات في المنتدى، دفعتها إلى البحث عن الحقيقة، وتقول دوللي أن ما دفعها إلى ذلك هو حالة عدم التصديق التي وجدتها لدى بعض الأعضاء والتي أثارت جدلا حول القضية، فأرادت التأكد بنفسها، وأكدت أن إحدى البائعات التي يقع محلها في المنطقة التي جرت فيها تلك الحوادث، قالت أنه بالفعل قد وقعت حوادث اعتداءات على بعض الفتيات أول أيام عيد الفطر.
كذلك دفع حب الاستطلاع، ومعرفة أبعاد الأمر إحدى ناشطات الإنترنت، الصحفية quot;رضوى أسامةquot; (25 عاما) أن تسجل مشاهدتها ثاني أيام عيد الفطر في مدونتها المسماة quot;هكذا أناquot;، وأكدت أنها رأت تحرشات جديدة أمام كورنيش النيل ضمن منطقة تقع وسط القاهرة أيضا .
في تلك الأثناء لم تلتفت كافة وسائل الإعلام إلى تلك الحوادث، وما أثارته من جدل بين زوار الإنترنت المصريين، وجاء وصول تلك الأخبار إلى الإعلام بصورة غير تقليدية، عندما استغلت الصحفية الشابة quot;نواره نجمquot; استضافتها في برنامج quot;العاشرة مساءquot; بغرض التعليق على المسلسلات الرمضانية، وفجرت مفاجأة على الهواء بتنويهها عن حوادث تحرش جنسي وقعت لفتيات في وسط المدينة، وفي اليوم التالي لاستضافة نواره نجم أعد البرنامج تقريرا تلفزيونيا عن تلك الحوادث.
ونفت وزارة الداخلية تلقيها أي بلاغات بشأن تحرشات جنسية أو حوادث هتك عرض تمت في ذلك اليوم لكنها أكدت حدوث تزاحم شديد أول أيام عيد الفطر في منطقة quot;وسط البلدquot;.
وكان هذا النشاط الزائد على الانترنت يمثل إحراجا حقيقيا للصحافة التقليدية التي اعتمدت على المدونات في الإشارة إلى تلك الحوادث، غير أن المفاجأة أن بعض زوار المنتديات و المدونات مازالوا غير مصدقين وقوع مثل تلك الحوادث رغم إشارة أحد المركز الحقوقية إليها، وهو مركز الجنوب لحقوق الإنسان، وبعد أن تناول بعض الصحفيين والبرامج التلفزيونية القضية في وقت لاحق.. كان المعارضون قد سجلوا تعليقات حادة عند مالك مصطفى صاحب مدونة quot;مالكوم إكسquot; التي سجل فيها شهادته، وبعضهم فعل ذلك داخل المنتديات، وحاولت quot;إيلافquot; الاتصال بأحدهم، لمعرفة سبب عدم تصديقه وقوع مثل تلك الحوادث رغم تناول بعض وسائل الإعلام التقليدية لها، إلا أنه رفض الحديث بحجة عدم استطاعته الحديث لمواقع أو صحف تنتهج النهج العلماني، وكانت أغلب الانتقادات الحادة تشير إلى أن الصور المرفقة عن الموضوع التي التقطها المدون quot;وائل عباسquot; ملفقة، وأن رواية من كتبوا عن الحادث لا يوجد ما يثبتها، وأنهم يسعون إلى الشهرة ..!
كان لإيلاف اتصال مع quot;مالك مصطفىquot; (24 عاما) حول ردود الأفعال تجاه ما كتبه، وقال quot;لا أرى فيما كتبته أي شيء من المبالغة، بل أجد أن الواقع كان أعنف، فوسط البلد كانت ممتلئة عن آخرها بالشباب لحضور حفلات افتتاح الأفلام في السينمات الشهيرة، كما أن هناك من ذهب بعد كتابتي وقابل أصحاب المحال التجارية وأكد ما قلته أنا في مدونتي، إضافة إلى أن بعض أصحاب المحال هناك قد أغلقوا متاجرهم مبكرا بسبب الازدحام حول دور العرض، لذا لم يشهد كل أصحاب المتاجر تلك الحوادث، وأنا لم أسعى للفت أنظار وسائل الإعلام التقليدية، لأنها لم تكن تهمنى ولم أقتنع بدورها نظرا لما بها من فساد.quot;
الآن.. وبعد مرور فترة على تلك الحوادث، ما زالت الأصداء تعلو بين المدونات المختلفة التي تقدر أعدادها بالمئات على الإنترنت، والتي تنتقل بعض موضوعاتها إلى ساحات أخرى كالمنتديات الإلكترونية وغيرها، إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية، أما المدونين فقد خرج من بينهم بعض الناشطين عازمين على إقامة حملة بعنوان quot;اتكلموا.. لنكسر حاجز الصمتquot; لتجميع شهادات التحرش الجنسي، وتم إعداد ملصق الكتروني لتلك الحملة.
الجدير بالذكر أن عددا من المدونات قد حقق في الفترة الماضية السبق في تغطيات لبعض الأحداث الشهيرة كالانتخابات البرلمانية وما شهدته من أعمال عنف، أو الصدام بين الشرطة المصرية واللاجئين السودانيين المعتصمين أثناء عملية إجلائهم، كذلك انفردت إحدى المدونات بتغطية المصادمات التي وقعت بين مسلمين ومسيحيين في حي محرم بك بالإسكندرية، وكانت التغطيات تصف الأحداث بالكلمة والصورة.
لقد أظهر التناول الأخير لقضية التحرشات الجنسية، أن نشاطا ملحوظا يجري بين زوار الإنترنت المصريين من الشباب، يطرحون من خلاله آراءهم وخبايا ما يدور في مجتمعاتهم، دون انتظار تغطية وسائل الإعلام التقليدية لقضاياهم.
التعليقات