الطريق متوقف في نهار رمضان -خاص إيلاف
عبدالرحمن مصطفى : أشعة الشمس الذهبية تزحف على شوارع القاهرة معلنة بداية يوم رمضاني جديد، كان المشهد يبعث على الأمل والتفاؤل، في تلك الأوقات كنت قد بدأت يومي مع الجريدة الرسمية.. أخبار ومقالات.. كلمات تحاول ترويضي وتحييدي عما يحدث من حولي، ساعات وبدأت الشوارع في الازدحام، هناك.. تفرست وجوه المصريين من حولي، سيطرت علي فكرة غريبة، أن كل وجه أراه الآن صدفة من الصعب أن ألقاه مرة أخرى، ففي العاصمة يعيش أكثر من سبعة عشرة مليون شخص من حولي، ويزور هذه المدينة ثلاثة ملايين ضيف يوميا، فأين هذا الوجه الذي سألقاه صدفة وسط تلك الأرقام المليونية..؟!

الكل منشغل بالازدحام في نهار رمضان، قد تكون الفرصة أفضل في نهار الجمعة، أو في نهار السبت بعد أن اعتبرته وزارة التربية والتعليم عطلة رسمية لكافة المدارس بدء من هذا العام، إلا أن ذلك لم يمنع ازدحام العديد من شوارع العاصمة.

في مدينتي.. البعض لا يعمل، حتى وإن كان في وظيفة.. قد تجد موظفا يؤخر كل شيء إلى ما بعد العيد، في الجامعة قد تجد طلبة تشتكي من عدم انتظام المحاضرات وعدم اهتمام الموظفين حتى بتحصيل المصاريف، ذلك النهار أغلقت الموظفة شباكها في وجه الطلبة بعد أن أسمعتهم كلاما ثقيلا، تذكرت وقتها مقالا لأحد شيوخنا الأفاضل عن quot;رمضان.. شهر العبادة والعملquot;، وأنه شهر الانتصارات وأنه...الخ، أعتقد أن تلك الموظفة لم تقرأ كلام شيخنا الوقور.. أو أن لها بعض الطقوس الخاصة في رمضان..!

في مدينتي.. يعد استخدام المواصلات العامة أمرا غير محبب إلى النفس، ومع ذلك فوسائل المواصلات تكتظ عن آخرها في كثير من الأحيان.. بعض الحافلات جعلت ثمن تذكرة الركوب جنيها وعشرة قروش، عملا بقرار محافظ العاصمة، لذا فالمشهد المألوف أن تجد مناوشات ومفاوضات بين السائق والركاب في حالة عدم وجود عملات معدنية..أعتقد أن لدى سائقي هذه الحافلات فائض كبير من باقي حساب لم يأخذه الركاب، اقترح على السائقين أن يقدموه كتبرع خيري بمناسبة الشهر الكريم.

باعة العرقسوس في كل مكان -خاص إيلاف
في مدينتي.. إعلانات للتبرعات الخيرية في كل مكان، وموائد إفطار يفد إليها الفقراء والمعوزين، تجاورها سرادقات أصحاب مطاعم المشويات، في هذا الشهر الكريم تكثر الصدقات وأموال الزكاة والتبرعات، ومع ذلك.. يكثر المتسولون عن بقية أيام العام.

في مدينتي.. يحاول رجال المرور على كافة رتبهم ضبط أحوال الشوارع، فهناك مليونا سيارة في القاهرة، علما بأن شوارعها ndash; رسميا - لا تحتمل أكثر من ربع هذا العدد، فهل ينجح رجال المرور في إبادة كل هذا العدد من السيارات ..؟!

في مدينتي.. يفترش باعة quot;العرقسوسquot; الأرصفة، يطوفون بعرباتهم الشوارع، تكثر أعدادهم في كل مكان وكأن كثيرين قد تركوا أعمالهم في هذا الشهر وتفرغوا لبيع مشروب العرقسوس.. اقتربت من أحدهم.. نظرت إلى أكياس المشروب الشعبي ذو اللون الداكن.. تذكرت ما تلح به علينا وسائل الإعلام كل عام عن فوائد شراب العرقسوس للصائمين في رمضان، أكياس المشروب مغرية، إلا أنني لم أشتر، فقد تذكرت ما صرح به أحد المسؤولين منذ أيام عن أن رمضان هو أكثر أوقات العام تروج فيه السلع الفاسدة..!

في مدينتي.. قبل موعد الإفطار بساعة، تبدو مهمة إيجاد وسيلة مواصلات أمرا عسيرا جدا، اقتربت من سيارة ميكروباص لأركبها، في ثوان كانت كافة المقاعد قد ملئت بالزبائن، الجميع كان في حالة غير طبيعية، قد تتعجب عندما تجد نشاطا ملحوظا لدى الصائمين في القفز على المقاعد الشاغرة ومزاحمة الآخرين.. حتى في خلفية الميكروباص كان أحدهم متشبث من الخارج، كانت تلك الطريقة في الركوب تمارس في الريف والمناطق العشوائية، إلا أنها الآن.. قبل الإفطار بساعة، هي الوسيلة المناسبة للبعض .

لم يجد مكانا داخل الميكروباص _ خاص إيلاف
أعود سيرا على الأقدام.. متذكرا ما قرأته صباحا في باب حظك اليوم... quot;اليوم أسعد أيامك..quot;، في ختام نهار رمضاني.. تعود القاهرة تدريجيا كما كانت في الفجر.. شوارع خالية، وأشعة الشمس الذهبية تغطي شوارع المدينة تمهيدا للرحيل، معلنة ختام نهار حافل بالزحام.

تصوير : عبدالرحمن مصطفى

[email protected]