لا جدال أن إيران دولة من دول العالم الثالث، أي أنها متخلفة وأمامها شوط بعيد تقطعه لتصل إلى مستوى الدول المتقدمة أي العالم الأول. ومهما تغنى شعبها بتاريخها المجيد، كما هو دين العرب أيضاً، إلا إن هذا لا يعني أن الحاضر ليس متخلفاً وبشكل رهيب. والجدير بالذكر أن الحكام والمثقفين في أي شعب، شئنا أم أبينا، هم نتاج شعوبهم، سواءً جاء هؤلاء الحكام إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، كما في حالة محمود أحمدي نجاد، أو على ظهر دبابة بانقلاب عسكري، كما في حالة صدام حسين ومعمر القذافي وغيرهما. فهؤلاء هم نتاج مرحلة متخلفة يعكسون تخلف شعوبهم المغلوبة على أمرها بالجهل والطغيان.
ولتأكيد هذه الفرضية يجب أن نجيب على السؤال التالي: لماذا لم يظهر في العالم الثالث وخاصة في العالمين، العربي والإسلامي، مفكرون كبار من وزن جان بول سارتر وبرتراند رسل وميشال فوكو وجون ديوي وغيرهم؟ الجواب هو أن هؤلاء المفكرين الكبار هم نتاج شعوبهم المتطورة، أي نتاج العقل الجمعي لهذه المجتمعات، ولو عاش سارتر ورسل وفوكو وديوي في الدول العربية أو الإسلامية لما سمع بهم أحد. إذ لا يمكن لشعب تشكل الأمية 60% منه أن ينجب مفكرين أو قادة سياسيين كبار من وزن ما في الغرب من مفكرين. ولا بد أن يوجد في العالم الثالث أناس يحملون كل المواصفات التي تؤهلهم أن يكونوا مفكرين وعلماء ومخترعين وقادة سياسيين كبار كما في الغرب، ولكن ظروف بلدانهم المتخلفة لا تسمح لهم بالبروز والنهوض. فالأفراد الموهوبون كالبذور الخيرة، من أجل أن تنبت وتعطي ثماراً، لا بد من توفير التربة الخصبة والشروط المطلوبة الأخرى لرعايتها. فطلائع الشعوب المتخلفة وأحزابها الديمقراطية لا يمكن أن تكون بمستوى نظيراتها في الشعوب المتقدمة. وهذا يثبت لنا الفرضية أن القادة هم انعكاس ونتاج شعوبهم.
هناك مقولة تفيد أن (التاريخ لا يعيد نفسه وإن عاد فعلى شكل ملهاة ومأساة). لذلك أعتقد أن ما حصل لصدام حسين ونظام البعث الفاشي الجائر في العراق سيتكرر في إيران وعلى شكل كارثة على الشعب الإيراني. إذ يعتقد القادة السياسيون من الملالي في إيران أنهم دهاة في السياسة يستطيعون أن يلحقوا الهزيمة بالدولة العظمى أمريكا quot;الشيطان الأكبرquot; على حد تعبير الإمام الخميني. وباعتقادهم هذا فإنهم يرتكبون ذات الخطأ القاتل الذي ارتكبه صدام حسين وبن لادن والملا عمر. لقد استفاد القادة الإيرانيون أكثر من غيرهم من قيام أمريكا بإسقاط ألد عدوين لهم في المنطقة، ألا وهما نظام البعث في العراق وطالبان في أفغانستان. وكان بإمكان حكام إيران الاستفادة القصوى من هذه العملية وذلك بالتعاون مع العراق الجديد في استتباب الأمن والاستقرار فيه. ولكن بدلاً من ذلك، أقاموا تحالفاً غير مقدس مع فلول الإرهاب البعثي ومنظمة القاعدة والنظام البعثي السوري، هدفه إفشال العملية السياسية في العراق واتخاذ العراق ساحة لهم لمحاربة أمريكا وعلى حساب الشعب العراقي.
حقاً إن هؤلاء الحكام يتصرفون كمراهقين. فكما يحرص المراهق على إبراز قوة عضلاته على الآخرين، كذلك الحكومات (الثورجية) مثل الحكومة الإسلامية في إيران والبعثية في عهد صدام وحكومة القذافي في ليبيا، بددوا ثروات بلادهم الهائلة على التسلح، والحجة المعلنة هي تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، بينما السبب الحقيقي وراء تبديد الأموال هو الجهل والمراهقة الفكرية واللعب بالنار. فلو أدرك هؤلاء، لسلكوا سلوك حكام الخليج العربي الحكماء، حيث استثمروا ثرواتهم في التنمية البشرية والاقتصادية ورفع المستوى المعيشي لشعوبهم وحوَّلوا الصحارى إلى جنات النخيل، بدلاً من تبديدها في عسكرة مجتمعاتهم وسباق التسلح وشن الحروب العبثية وامتلاك السلاح النووي.
كذلك بددت الحكومة الإيرانية مليارات الدولارات من أموال شعبها من صادرات النفط، على شراء الذمم وتأسيس وشراء أحزاب ومليشيات إسلامية في العراق ولبنان وفلسطين المحتلة لخلق المشاكل لهذه الشعوب ومحاربة أمريكا بالوكالة في هذه البلدان وعرقلة عملية السلام ودمقرطة العراق وإبقاء التوتر والمشاكل في المنطقة.
من سيهزم من؟
يتوهم القادة الإيرانيون أنهم بإمكانهم إلحاق الهزيمة بأمريكا. فكما أخطأ صدام حسين في حساباته الغبية، فالحرب مع دولة عظمى ليست كالحرب مع دولة في العالم الثالث. لقد شن صدام الحرب على إيران لثمانية أعوام، دمر خلالها قدرات الشعبين، العراقي والإيراني، فاعتقد أنه يستطيع أن يشن حرباً على دولة عظمى مثل أمريكا، فقام بغزو الكويت وكان ما كان. والآن يعيد نظام الملالي في إيران نفس اللعبة وهم يحثون الخطى نحو ذات الفخ الذي وقع فيه صدام. إنهم بدؤوا بمحاربة أمريكا عن طريق وكلائهم من المليشيات في العراق ولبنان وعرقلة حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بشرائهم لحماس، ولكن هذا سيقرب يوم المواجهة المباشرة مع الدولة العظمى، وكل المؤشرات تشير إلى أن هذا اليوم أصبح قريباً.
مشكلة الحكام المراهقين في العالم الثالث، ومعهم إعلامهم، أنهم يخطئون قراءة العقل الغربي وما يجري في الغرب من سجالات واسعة بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني. فإذا ما حصل جدال في الدول الغربية ضد أمريكا وحلفائها اعتقدوا أنهم يستطيعون كسب الشارع الأوربي والأمريكي، وبالتالي تحقيق النصر على الغرب. هكذا توهم صدام حسين، وعلى هذا الأساس تمادى في غيه في غزو الكويت ووضع نفسه في حالة مواجهة انتحارية مع الدولة العظمى. إذ يجهل هؤلاء الحكام ومن يسير في ركابهم من المغرر بهم، أن العملية أشبه بلعبة الشطرنج بين لاعبين مبتدئين ولاعبين محترفين. ففي نهاية المطاف لا بد وأن تكون الغلبة للمحترفين وينتهي الهواة في هذه اللعبة مهزومين كما انتهى صدام حسين في حفرة حقيرة وينتظر الآن تنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتى الموت، وكما فر الملا عمر على دراجة بخارية، وبن لان مختفياً في كهوف تورا بورا.
نسي هؤلاء الحكام أو الطغاة، أن الأنظمة الغربية ولكونها ديمقراطية، تسمح للمعارضة بالمعارضة العلنية وهذه هي وظيفتها في الأنظمة الديمقراطية. وهذا لا يعني أن المعارضة في الغرب ستتهاون بأمن شعوبها وتسمح لحكام بلطجية مثل صدام حسين وأحمدي نجاد ومعمر القذافي بامتلاك السلاح النووي واتخاذ شعوبهم رهينة وتهديد السلام العالمي. ففي هذه الحالة وفي نهاية المطاف لا بد وأن تقف المعارضة في الدول الغربية إلى جانب حكوماتها وبقيادة الدولة العظمى للدفاع عن حرياتها وحضارتها وقيمها وسحق كل من يهددها، كما هو واضح من التاريخ القديم والمعاصر، من هتلر إلى صدام حسين.
إيران وخاصة منذ تسلم محمود أحمدي نجاد الرئاسة فيها، تحث الخطى نحو الهاوية، وهي تعيش هذه الأيام، كما كان العراق في عهد صدام حسين قبل ارتكاب جريمة غزو الكويت. وكما سعى صدام لامتلاك السلاح النووي وهدد بحرق نصف إسرائيل، فأحمدي نجاد هو الآخر يكرر لعبة صدام ويسعى علناً لامتلاك السلاح النووي، حتى بلغ به الغرور أن طالب الدول الغربية بالتعامل مع إيران على أنها دولة نووية، كما وهدد بشطب إسرائيل من الخريطة. إضافة إلى دور إيران فيما يجري في لبنان بواسطة وكيلها حزب الله. وبذلك فقد أصبحت إيران مصدر توتر في المنطقة وتهديد السلام العالمي. وهذا ما لا يمكن للغرب السكوت عنه.
إيران مصدر توتر في المنطقة
فكما قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير: quot;أن إيران مصدر توتر وتطرف في الشرق الأوسطquot; ودعى الدول المعتدلة في المنطقة إلى إقامة تحالف لمواجهة هذا التطرف وقال quot;علينا ان نستيقظ (...) وان نقر بالتحدي الاستراتيجي الذي يمثله النظام الايراني... quot;. كما وتفيد الأنباء أن [الولايات المتحدة تنوي نشر حاملات طائرات في الخليج العام المقبل كتحذير لإيران، حسبما نسب تقرير الى مسؤولين اميركيين. واضاف التقرير ان وزارة الدفاع laquo;البنتاغونraquo; تنظم laquo;عملية نشر كبيرة للقوات البحرية في وحول الخليجraquo; ردا على ما تصفه الولايات المتحدة بأنه laquo;أعمال تحريض متزايدةraquo; من جانب ايران.] وفي تقرير آخر من نفس المصدر أن laquo; واشنطن ولندن ترسلان حاملتي طائرات وكاسحات ألغام لمراقبة ايرانraquo; (الشرق الأوسط، 20/12/2006).
إذا كان حكام إيران وسوريا يعتقدون أنهم سيلحقون الهزيمة بأمريكا في العراق والمنطقة فإنهم على خطأ كبير ودليل على سذاجتهم وعدم قدرتهم على قراءة الأحداث وفهم استراتيجية الغرب. وبذلك وكما عمل صدام حسين سيجلبون البلاء على شعوبهم. إن السياسة الخارجية للغرب وبالأخص أمريكا هي واحدة لا تتغير بتغير الحزب الحاكم.
ذكر الباحث الأمريكي ديفيد روثكوبف في صحيفة (الواشنطون بوست) يوم 10/12/ 2006 في مقال بعنوان (Even If We Leave Now, We'll Be Back) نقلاً عن أكاديمي عربي بارز مختص في العلوم السياسية، مقيم في أمريكا، قوله أن quot;أهم سر من أسرار هذه الحرب (في العراق) لم يبح به الأمريكان، أن هذه الحرب هي ليست على الإرهاب، وإنما هي جزء من الحرب الجيوسياسية مع إيران للهيمنة على المنطقةquot;. أعتقد أن إيران ربما لم تكن الهدف في الحملة على العراق في أول الأمر كما قال هذا الخبير السياسي، وإنما تطوعت بجهل حكامها لأن تكون هدفاً لأمريكا في حربها القادمة والتي يسميها الباحث بـ (حرب الخليج الثالثة) التي ستشنها أمريكا على إيران. لقد صارت إيران بين كماشة حلف الناتو بقيادة أمريكا. فجيوش حلف الناتو على حدود إيران من الجانبين، العراقية والأفغانية. فأين المفر؟ أي كش ملك من الجهتين!!
العراق، فيتنام من؟
كان من الغباء أن لا يستفيد حكام إيران من تجربة صدام حسين وهم الآن في ورطة حقيقية. لقد عقدت إيران وسوريا تحالفاً مصيرياً مع فلول الإرهاب البعثي والقاعدي، ليجعلوا من العراق فيتنام آخر لأمريكا، ولكن في نهاية المطاف تحول العراق إلى فيتنام لإيران وحلفائها، النظام السوري وقوى الإرهاب من فلول البعث والقاعدة على حد سواء. ومهما تشدق أحمدي نجاد بامتلاكه السلاح النووي، فهذا السلاح سوف لن ينقذ نظامه من السقوط وشعبه جائع. فمستوى المعيشي للشعب الإيراني لا يختلف عن المستوى المعيشي للشعب العراقي أيام الحصار في السنوات الأخيرة من عهد صدام حسين، رغم أن إيران لم تتعرض للحصار ولا لإيقاف صادرات نفطها، بل الكارثة أن حكام إيران، كما حكام البعث بددوا ثروات شعبهم في التسلح وبناء السلاح النووي. فهل استطاع صدام حسين أن ينتصر على أمريكا وحلفائها وينقذ نظامه من السقوط رغم ما كان يملك من ترسانة سلاح؟ كلا وألف كلا.
ثوابت الاستراتيجية الأمريكية
ولهذا فالذين يراهنون على انسحاب أمريكا من العراق وإفشال المشروع الأمريكي في نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط عليهم أن يعيدوا النظر في حساباتهم. إذ يعرف الأمريكان أنهم حتى ولو انسحبوا من العراق الآن فإنهم سيضطرون للعودة ثانية لشن حرب الخليج الثالثة على إيران هذه المرة وتحرير العراق من حكم طالبان السنة والشيعة وبتكاليف أكثر.
لذا يجب أن يعلم الحكام المراهقون في المنطقة وبالأخص حكام إيران، أن في الاستراتيجية الأمريكية والدول الأوربية خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها مهما كلف الأمر وأي حزب كان في الحكم:
1- ضمان إمداد الغرب بالنفط ،
2- ضمان أمن وبقاء إسرائيل،
3- ضمان أمن الدول الخليجية الصديقة للغرب،
4- عدم السماح لأي نظام في المنطقة (عدا إسرائيل والهند وباكستان) بامتلاك السلاح النووي أو أي سلاح الدمار الشامل.
كما وتوصلت الإدارة الأمريكية منذ كارثة 11 سبتمبر 2001، إلى أنه لا يمكن ضمان السلام العالمي إلا بالقضاء على الإرهاب الإسلامي وإطفاء البؤر المتوترة (حل الصراع العربي-الإسرائيلي) ونشر الديمقراطية في دول منطقة الشرق الأوسط.
وبناءً على ما تقد، فأمام النظام الإيراني أحد الطريقين لا ثالثة لهما: إما طريقة معمر القذافي فيسلِّم جميع ما يملك من معامل ومختبرات تخصيب اليورانيوم والسلاح النووي إلى أمريكا ويتخلى عن سياساته العدوانية ويساهم في استقرار المنطقة، أو طريقة صدام حسين فينتهي بحفرة حقيرة.
وكل عام وأنتم بخير.
التعليقات