بعد إحتدام الموقف الدولي من قضية النشاطات النووية الإيرانية ومن ثم صدور قرار مجلس الأمن وبموافقة إجماعية في إدانة النظام الإيراني وفرض بعض العقوبات التمهيدية وفتح الباب لعقوبات مستقبلية اشد، كان رد الفعل الإيراني الأول وعلى لسان الرئيس أحمدي نجاد هو قوله : بأن من وافق على القرار سيدفع الثمن؟ وهذا القول يحمل لغة تهديدية واضحة لا تقبل التأويل و لا المناورة مفادها بإن الإنتقام الرسمي الإيراني قادم لا محالة وبأن ساحته الحيوية ومجاله الأوسع سيكون في الخليج العربي دون ريب ! و الساحة الخليجية واسعة تبدأ من الجزر العربية الإماراتية الثلاث المحتلة، و تمر في ملفات التدخل في قضايا دول المنطقة الداخلية و لا تنتهي في الساحة العراقية التي أصبحت ملعبا حقيقيا للنظام الإيراني و مؤسساته الأمنية و الإستخبارية؟ فقواعد اللعبة واضحة و قوانينها صريحة؟ و ما تفوه به رئيس النظام الإيراني ليس مجرد زلة لسان أو حالة عصبية عابرة أو ردة فعل عفوية بل أنها تفكير بصوت عالي و مسموع و
تعبير عن حقيقة التوجهات السياسية و الأمنية الإيرانية التي باتت تخضع اليوم لمقاييس إيديولوجية خطيرة و مغامرة فسلسلة التهديدات الشفوية لدول العالم لا تعني في حقيقتها سوى توجيه التهديد لدول الخليج العربية و التي تظل في العقيدة السياسية و العسكرية للنظام الإيراني بمثابة الحائط الواطي !! وحيث يستغل النظام الإيراني الوضعية الجيوبوليتيكية للمنطقة ليلوح بأوراق خطيرة تتعلق بإشعال الفتنة الطائفية في المنطقة و محاولة تفجيرها من الداخل كما حاول النظام فعل ذلك خلال سنوات الحرب العراقية/ الإيرانية الطويلة و المعقدة و الجميع يتذكر ما حدث في السعودية و الكويت و البحرين في تلك الفترة، وهي صفحات معروفة في تاريخ المنطقة المعاصر وملفاتها لم تزل معروفة ومفتوحة أيضا، وبرغم أن دول المنطقة كانت حريصة على الدوام على فتح صفحات جديدة في العلاقات مع نظام طهران وتجاوزت الكثير من الإساءات وحملات التحريض و التحشيد و التعبئة الطائفية، إلا أن الرد الرسمي الإيراني لم يكن سوى الإمعان في إستحضار كل صنوف وصيغ و سياسات
التوتر خصوصا من جهة الإصرار على إدخال المنطقة الخليجية ضمن مناطق النشاطات النووية الخطيرة؟ و الإصرار أيضا على إستمرار أحوال التأزم السياسي و العسكري دون أن ننسى رفض النظام الإيراني البحث في ملف الجزر الإماراتية المحتلة في رأس الخليج العربي منذ عام 1971 و هو الملف الذي يعتبر النظام الإيراني مجرد النقاش فيه بمثابة عدوان على إيران؟؟ وتلك مشكلة حقيقية، ومع إستمرار تورط الأجهزة السرية للنظام الإيراني في المستنقع العراقي و قرار سلطاتها بنقل معركتها مع الغرب للعمق العراقي فضلا عن توسع مساحة الصراع ليشمل الساحة اللبنانية الهشة طائفيا و المختلطة الأوراق و الأهواء و الأمزجة تكون الملفات التوريطية للنظام الإيراني ذات مساحات واسعة للغاية بل أنها تحولت لحبال بدأت تلتف حول الرقبة الإيرانية التي لا تجد مساحات الخلاص إلا من خلال الساحة الخليجية وتفعيل الملفات و الخلايا النائمة وهي كثيرة و متفاوتة التأثير و الشدة ولعل تهديدات احمدي نجاد التي كثرت هذه الأيام ما هي إلا تعبير عن حقيقة أزمة النظام الإيراني
الباحث عن الإنتقام و تصفية الحسابات و الذي يقف اليوم في موقف مشابه كثيرا لموقف نظام صدام البائد أبان أزمة الغزو العراقي لدولة الكويت وحملات التوتر التي سبقت ذلك الغزو من قضايا التسلح الكيمياوي و الإعلان التهريجي و المسرحي لصدام حول قصف وتدمير ( نصف إسرائيل ) ! بما كان يسمى بالكيمياوي المزدوج و الضجة التي أتبعت ذلك الهراء مما دفع القوى الدولية لتعزيز وجودها المسلح في الخليج وهو نفس النهج المريض و المشبوه الذي يتصرف من خلاله النظام الإيراني ليخلق كل عوامل التوتر و القلق و الإنفجار، وإصرار ذلك النظام على التسلح النووي لا يوجد ما يبرره سوى حالة الهوس الفكري و التطرف الآيديولوجي الذي يفترض إن إمتلاك السلاح النووي يمكن أن يوفر حماية أبدية للنظام؟ وهو مجرد تصور واهم، فهموم وشجون الشعوب الإيرانية أكبر بكثير من قضايا الهرطقة السياسية التي يتحدث بها النظام، و الضرر الأكبر من أي حماقة إيرانية سيرتد أولا على الشعوب الإيرانية المبتلاة بغلاة الآيديولوجيين من أصحاب النظريات الخرافية وعلى شعوب الخليج
العربي التي ستعاني من أية آثار نووية في المنطقة وهو ما أكد عليه الدكتور محمد صباح السالم وزير الخارجية الكويتي وحذر منه، وبرغم أن الخليج العربي قد عاش أزمات ساخنة في مراحل سابقة إلا أن الأزمة الحالية تمثل منعطفا تاريخيا خطيرا ساخنا ستكون لتداعياته أبعد الآثار في تقرير مصير المنطقة ومعها العالم... فهل يراهن الرئيس الإيراني على التعجيل بظهور المهدي المنتظر؟ أم أن هنالك في إيران من هو على إستعداد لإيقاف المأساة القادمة؟... الله وحده يعلم...؟
- آخر تحديث :
التعليقات